قال الإمام الراغب : المرض الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان وذلك ضربان : جسمي وهو المذكور في قوله تعالى :﴿وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ (النور : ٦١) والثاني : عبارة عن الرذائل كالجهل والجبن والبخل والنفاق ونحوها من الرذائل الخلقية نحو قوله تعالى :﴿فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ ويشبه النفاق والكفر وغيرهما من الرذائل بالمرض إما لكونها مانعة عن إدراك الفضائل كالمرض المانع للبدن عن التصرف الكامل وإما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخروية المذكورة في قوله تعالى :﴿وَإِنَّ الدَّارَ الاخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ﴾ (العنكبوت : ٦٤) وأما لميل النفس بها إلى الاعتقادات الرديئة ميل البدن المريض إلى الأشياء المضرة انتهى، وفي الحديث :"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" معناه لا يبلغ العبد كمال الإيمان ولا يستكمل درجاته حتى يكون ميل نفسه منقاداً لما جاء به النبي عليه السلام من الهدى والأحكام ثم إن حقيقة الإطاعة والإجابة إنما هي بترك ما سوى الله والإعراض عما دونه فمن أقبل على غيره فهو لآفات عرضت له وهي انحراف مزاج قلبه عن فطرة الله التي فطر الناس عليها من حب الله وحب الآخرة والشك في الدين بمقالات أهل الأهواء والبدع من المتفلسفين والطبائعيين والدهريين وغيرهم من الضلال وخوف الحيف بأن يأمره الله ورسوله بترك الدنيا ونهى النفس عن الهوى وأنواع المجاهدات والرياضات المؤدية إلى تزكية النفس وتصفية القلب لتحلية الروح بحلية أخلاق الحق والوصول إلى الحضرة ثم لا يوفيان بما وعدا بقوله :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ (يونس : ٢٦) ويظلمان عليه بعدم أداء حقوقه أما علم أن الله لا يظلم مثقال ذرة.
﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ﴾ أي حلف المنافقون بالله وأصله من القسامة وهي إيمان تقسم على المتهمين في الدم ثم صار اسماً لكل حلف.
﴿جَهْدَ أَيْمَـانِهِمْ﴾ الجهد بالفتح الطاقة واليمين في اللغة القوة وفي الشرع تقوي أحد طرفي الخبر بذكر الله.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٠
قال الإمام الراغب : اليمين في الحلف مستعار من اليد اعتباراً بما يفعله المجاهد والمعاهد عنده.
قال في "الإرشاد" : جهد نصب على أنه مصدر مؤكد لفعله الذي هو في حيز النصب على أنه حال من فاعل اقسموا أي أقسموا به تعالى يجهدون أيمانهم جهداً ومعنى جهد اليمين بلوغ غايتها بطريق الاستعارة من قولهم جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها أي جاهدين بالغين أقصى مراتب اليمين في الشدة والوكادة فمن قال : أقسم بالله فقد جهد يمينه ومعنى الاستعارة أنه لما لم يكن لليمين وسع وطاقة حتى يبلغ المنافقون أقصى وسع اليمين وطاقتها كان أصله يجهدون إيمانهم جهداً ثم حذف الفعل وقدم المصدر فوضع موضعه مضافاً إلى المفعول نحو فضرب
١٧١
الرقاب وبالفارسية :(وسوكند كردند منافقان بخداى تعالى سخترين سوكندان خود) ﴿لَـاـاِنْ أَمَرْتَهُمْ﴾ أي : بالخروج إلى الغزو فإنهم كانوا يقولون لرسول الله أينما كنت نكن معك ولئن خرجت خرجنا معك وإن أقمت أقمنا وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا.
﴿لَيَخْرُجُنَّ﴾ جواب لأقسموا لأن اللام الموطئة للقسم في قوله لئن أمرتهم جعلت ما يأتي بعد الشرط المذكور جواباً للقسم لاجزاء للشرط وكان جزاء الشرط مضمراً مدلولاً عليه بجواب القسم وجواب القسم وجزاء الشرط لما كانا متماثلين اقتصر على جواب القسم وحيث كانت مقالتهم هذه كاذبة ويمينهم فاجرة أمر عليه السلام بردها حيث قيل ﴿قُل لا تُقْسِمُوا﴾ لا تحلفوا بالله على ما تدعون من الطاعة ﴿طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف والجملة تعليل للنهي أي لأن طاعتكم طاعة نفاقية واقعة باللسان فقط من غير مواطأة من القلب وإنما عبر عنها بمعروفة للإيذان بأن كونها كذلك مشهور معروف لكل أحد كذا في "الإرشاد".
وقال بعضهم : طاعة معروفة بالإخلاص وصدق النية خير لكم وأمثل من قسمكم باللسان فالمطلوب منكم هي لا اليمين الكاذبة المنكرة.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿قُل لا تُقْسِمُوا﴾ بالكذب قولاً بل أطيعوا فعلاً فإنه ﴿طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ﴾ بالأفعال غير دعوى القيل والقال.
﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُا بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ بالحال صدقاً وبالقال كذباً أو بطاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل فيجازيكم على ذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٠


الصفحة التالية
Icon