﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ في الفرائض والسنن على رجاء الرحمة والقبول.
﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾ بحذف إحدى التاءين، أي تتولوا وتعرضوا عن هذه الطاعة أثر ما أمرتم بها.
﴿فَإِنَّمَا عَلَيْهِ﴾ أي فاعلموا إنما عليه صلى الله عليه وسلّم ﴿مَا حُمِّلَ﴾ أي ما كلف وأمر به من تبليغ الرسالة.
﴿وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ﴾ ما أمرتم به من الإجابة والطاعة ولعل التعبير عنه بالتحمل للإشعار بثقله وكونه مؤونة باقية في عهدتهم بعد كأنه قيل وحيث توليتم عن ذلك فقد بقيتم تحت ذلك الحمل الثقيل.
﴿وَإِن تُطِيعُوهُ﴾ أي فيما أمركم به من الطاعة ﴿تَهْتَدُوا﴾ إلى الحق الذي هو المقصد الأقصى الموصل إلى كل خير والمنحى من كل شر وتأخيره عن بيان حكم التولي لما في تقديم الترهيب من تأكيد الترغيب.
﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ﴾ محمد ويبعد أن يحمل على الجنس لأنه أعيد معرفاً.
﴿إِلا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ﴾ التبليغ الموضح لكل ما يحتاج إلى الإيضاح وقد فعل وإنما بقي ما حملتم فإن اديتم فلكم وإن توليتم فعليكم.
قال أبو عثمان رحمه الله : من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لأن الله تعالى قال :﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾.
يقال : ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل واحدة منها بغير قرينتها : أولاها قوله تعالى :﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَواةَ﴾ (البقرة : ٤٣) فمن صلى ولم يؤد الزكاة لم تقبل منه الصلاة.
والثانية قوله تعالى :﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ (النساء : ٥٩) فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
والثالثة قوله تعالى :﴿أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ﴾ (لقمان : ١٤) فمن شكر الله في نعمائه ولم يشكر الوالدين لا يقبل منه ذلك فاطاعة الرسول مفتاح باب القبول ويرشدك على شرف الإطاعة أن كلب أصحاب الكهف لما تبعهم في طاعة الله وعدله دخول الجنة فإذا كان من تبع المطيعين كذلك فما ظنك بالمطيعين.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٢
قال حاتم الأصم رحمه الله : من ادعى ثلاثاً بغير ثلاث
١٧٢
فهو كذاب : من ادعى حبّ الجنة من غير إنفاق ماله فهو كذاب، ومن ادعى محبة الله من غير ترك محارم الله فهو كذاب، ومن ادعى محبة النبي عليه السلام من غير محبة الفقراء فهو كذاب.
محب درويشان كليد جنت است
واعلم أن أحمد بن حنبل رحمه الله لما راعى الشريعة بين جماعة كشفوا العورة في الحمام قيل له في المنام : إن الله تعالى جعلك إماماً للناس برعايتك الشريعة.
وفي "المثنوي" :
رهرو راه طريقت اين بود
كاو باحكام شريعت ميرود
نسأل الله التوفيق.
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ الخطاب لعامة الكفرة ومن تبعيضية أوله عليه السلام ولمن معه من المؤمنين ومن بيانية وتوسيط الظرف بين المعطوفين لإظهار أصالة الإيمان.
﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ﴾ جواب للقسم إما بإضمار على معنى وعدهم الله وأقسم ليستخلفنهم أو بتنزيل وعده تعالى منزلة القسم لتحقق إنجازه لا محالة أي ليجعلنهم خلفاء متصرفين في الأرض تصرف الملوك في ممالكهم.
قال الكاشفي :(في الأرض : درزمين كفار ازعرب وعجم) لقوله عليه السلام :"ليدخلن هذا الدين على ما دخل عليه الليل".
قال الراغب الخلافة النيابة عن الغير إما لغيبة المنوب عنه وإما لموته وإما لعجزه وإما لتشريف المستخلف وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض.
﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي : استخلافاً كائناً كاستخلاف الذين من قبلهم وهم بنو إسرائيل استخلفهم الله في مصر والشام بعد إهلاك فرعون والجبابرة.
﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ﴾ التمكين جعل الشيء مكاناً لآخر يقال : مكن له في الأرض أي جعلها مقراً له.
قال في "تاج المصادر" : التمكين (دست دادن وجاى دادن) يقال مكنتك ومكنت لك مثل نصحتك ونصحت لك.
وقال أبو علي : يجوز أن يكون على حد ردف لكم انتهى.
والمعنى ليجعلن دينهم مقرراً ثابتاً بحيث يستمرون على العمل بأحكامه من غير منازع ﴿الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ﴾ الارتضاء (سنديدن) كما في "التاج".


الصفحة التالية
Icon