قال في "التأويلات النجمية" : يعني يمكن كل صنف من الخلفاء حمل أمانته التي ارتضى لهم من أنواع مراتب دينهم فإنهم أئمة أركان الإسلام ودعائم الملة الناصحون لعباده الهادون من يسترشد في الله حفاظ الدين وهم أصناف.
قوم هم حفاظ أخبار الرسول عليه السلام وحفاظ القرآن وهم بمنزلة الخزنة.
وقوم هم علماء الأصول من الرادين على أهل العناد وأصحاب البدع بواضح الأدلة غير مخلطين الأصول بعلوم الفلاسفة وشبههم، فإنها مهلكة عظيمة لا يسلم منها إلا العلماء الراسخون والأولياء القائمون بالحق وهم بطارقة الإسلام وشجعانه، وقوم هم الفقهاء الذين إليهم الرجوع في علوم الشريعة من العبادات وكيفية المعاملات وهم في الدين بمنزلة الوكلاء والمتصرفين في الملك، وآخرون هم أهل المعرفة وأصحاب الحقائق وأرباب السلوك الكاملون المكملون وهم خلفاء الله على التحقيق وأقطاب العالم وعمد السماء وأوتاد الأرض بهم تقوم السموات والأرض وهم في الدين كخواص الملك وأعيان مجلس السلطان فالدين معمور بهؤلاء على اختلاف طبقاتهم إلى يوم القيامة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٢
﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُم﴾ التبديل جعل الشيء مكان آخر وهو أعم من العوض فإن العوض هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الأول
١٧٣
والتبديل يقال للتغيير وإن لم تأت ببدله.
والمعنى بالفارسية (وبدل دهد ايشانرا).
﴿مِّنا بَعْدِ خَوْفِهِمْ﴾ من الأعداء ﴿مِّن﴾ منهم وأصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف وكان أصحاب النبي عليه السلام قبل الهجرة أكثر من عشر سنين خائفين ثم هاجروا إلى المدينة وكانوا يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى نجز الله وعده فأظهرهم على العرب كلهم وفتح لهم بلاد الشرق والغرب.
دمبدم صيت كمال دولت خدام أو
عرصة روى زمين راسر بسر خواهد كرفت
شاهباز همتش ون بر كشايد بال قدر
از ثريا تا ثرى در زير راخواهد كرفت
﴿يَعْبُدُونَنِى﴾ حال من الذين آمنوا لتقييد الوعد بالثبات على التوحيد.
﴿لا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـاًا﴾ حال من الواو أي يعبدونني غير مشركين بي في العباد شيئاً.
﴿وَمَن كَفَرَ﴾ ومن ارتد ﴿بَعْدَ ذَالِكَ﴾ الوعد أو اتصف بالكفر بأن ثبت واستمر عليه ولم يتأثر بما مرّ من الترغيب والترهيب فإن الإصرار عليه بعد مشاهدة دلائل التوحيد كفر مستأنف زائد على الأصل أو كفر هذه النعمة العظيمة.
﴿فأولئك هُمُ الْفَـاسِقُونَ﴾ الكاملون في الفسق والخروج عن حدود الكفر والطغيان.
قال المفسرون : أول من كفر بهذه النعمة وجحد حقها الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه فلما قتلوه غير الله ما بهم من الأمن وأدخل عليهم الخوف الذي رفع عنهم حتى صاروا يقتلون بعد أن كانوا إخواناً متحابين والله تعالى لا يغير نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وفي الحديث :"إذا وضع السيف في أمتي لا يرفع عنها إلى يوم القيامة" : وفي "المثنوي" :
هره باتوا آيد از ظلمات غم
آن زبى شرمى وكستاخيست هم
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله : مشيت في زرع إنسان فناداني صاحبه : يا بقر فقلت : غير اسمي بزلة فلو كثرت لغير الله معرفتي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٢
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَواةَ﴾ عطف على مقدر يستدعيه المقام أي فآمنوا واعملوا صالحاً وأقيموا إلخ.
﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ في سائر ما أمركم به فهو من باب التكميل.
﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي افعلوا ما ذكر من الإقامة والإيتاء والإطاعة راجين أن ترحموا فهو متعلق بالأوامر الثلاثة.
﴿لا تَحْسَبَنَّ﴾ يا محمد أو يا من يصلح للخطاب كائناً من كان ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مفعول أول للحسبان.
﴿مُعْجِزِينَ فِى الأرْضِ﴾ العجز ضد القدرة وأعجزت فلاناً جعلته عاجزاً أي معجزينعن إدراكهم وإهلاكهم في قطر من الأقطار بما رحبت وإن هربوا منها كل مهرب.
﴿وَمَأْوَاـاهُمُ النَّارُ﴾ عطف على جملة النهي بتأويلها بجملة خبرية، أي لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض فإنهم مدركون ومأواهم النار.
﴿وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ جواب لقسم مقدر والمخصوص بالمدح محذوف أي وبالله لبئس المصير والمرجع هي أي النار يقال صار إلى كذا أي انتهى إليه ومنه صير الباب لمصيره الذي ينتهي إليه في تنقله وتحركه.
وفي الآية إشارة إلى كفران النعمة فإن الذين أنفقوا النعمة في المعاصي وغيروا ما بهم من الطاعات مأواهم نار القطيعة.
قال علي رضي الله عنه : أقل ما يلزمكمأن تستعينوا بنعمه على معاصيه.
قال الحسن رحمه الله : إذا استوى يوماك فأنت ناقص قيل : كيف ذاك قال إن الله زادك في يومك هذا نعماً فعليك أن تزداد فيه شكراً وكل ما أوجد
١٧٤
لفعل ما فشرفه لتمام وجود ذلك الفعل منه كالفرس للعدو في الكرّ والفرّ والسيف للعمل والأعضاء خصوصاً اللسان للشكر ومتى لم يوجد فيه المعنى الذي لأجله أوجد كان ناقصاً فالإنسان القاصر في عباداته كالإنسان الناقص في أعضائه وآلاته.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٤


الصفحة التالية
Icon