جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٤
ففيه دليل على أن الحكم إذا ثبت لمعنى فإذا زال الحكم فالتبسط في اللباس والمعاش والسكنى ونحوها مرخص فيه إذا لم يؤد إلى كبر واغترار.
قال عمر رضي الله عنه : إذا وسع الله عليكم فوسعوا على أنفسكم.
ويقال : اليسار مفسدة للنساء لاستيلاء شهوتهن على عقولهن، وفي الحديث :"أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" يعني إذا آتى الله عبده نعمة من نعم الدنيا فليظهرها من نفسه وليلبس لباساً نظيفاً يليق بحاله ولتكن نيته في لبسه إظهار نعمة الله عليه ليقصده المحتاجون لطلب الزكاة والصدقات وليس لبس الخلق مع اليسار من التواضع.
وفي الآية رخصة اتخاذ العبيد والإماء للخدمة لمن قام بحقهم وبيان أن حق الموالي عليهم الخدمة، وفي الحديث :"حسنة الحر بعشر وحسنة المملوك بعشرين" يضاعف له الحسنة وهذا لمن أحسن عبادة الله ونصح لسيده أي أراد له خيراً وأقام بمصالحه على وجه الخلوص كذا في "شرح المشارق".
قال في "نصاب الاحتساب" : وينبغي أن يتخذ الرجل جارية لخدمة داخل البيت دون العبد البالغ لأن خوف الفتنة في العبد أكثر من الأحرار الأجانب لأن الملك يقلل الحشمة والمحرمية منتفية والشهوة داعية فلا يأمن الفتنة.
وقيل : من اتخذ عبداً لخدمة داخل البيت فهو كسحان بالسين المهملة أي أعرج أو مقعد.
وابتاع بعض المشايخ غلاماً فقيل : بورك لك فيه فقال : البركة مع من قدر على خدمة نفسه واستغنى عن استخدام غيره فخفت مؤونته وهانت تكاليفه وكفى سياسة العبد والمرء في بيته بمنزلة القلب وقلما تنتفع خدمة الجوارح
١٧٦
إلا بخدمة القلب.
ودلت الآية على أن من لم يبلغ وقد عقل يؤمر بفعل الشرائع وينهى عن ارتكاب القبائح فإنه تعالى أمرهم بالاستئذان في الأوقات المذكورة، وفي الحديث :"مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع واصربوهم على تركها وهم أبناء عشر" وإنما يؤمر بذلك ليعتاده ويسهل عليه بعد البلوع ولذا كره إلباسه ذهباً أو حريراً لئلا يعتاده والإثم على الملبس كما في "القهستاني" : قال الشيخ سعدى قدس سره :
بخردى درش زجر وتعليم كن
به نيك وبدش وعده وبيم كن
قال ابن مسعود رضي الله عنه إذا بلغ الصبي عشر سنين كتبت له حسناته ولم تكتب سيئاته حتى يحتلم.
قال في "الأشباه" : وتصح عبادة الصبي وإن لم تجب عليه واختلفوا في ثوابها والمعتمد أنه له وللمعلم ثواب التعليم وكذا جميع حسناته وليس كالبالغ في النظر إلى الأجنبية والخلوة بها فيجوز له الدخول على النساء إلى خمس عشرة سنة كما في "الملتقط".
وفي الشيخ سعدى :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٤
سر ون زده بر كذشته سنين
زنا محرمان كوفراتر نشين
بر نبه آتش نشايد فروخت
كه تا شم برهن زنى خانه سوخت
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٤
﴿وَإِذَا بَلَغَ الاطْفَـالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ﴾ أي : الأطفال الأحرار الأجانب فيخرج العبد البالغ فإنه لا يستأذن في الدخول على سيدته في غير الأوقات الثلاثة المذكورة كما قال في "التتمة" يدخل العبد على سيدته بلا إذنها بالإجماع.
﴿فَلْيَسْتَـاْذِنُوا﴾ أي : إن أرادوا الدخول عليكم.
﴿كَمَا اسْتَـاْذَنَ الَّذِينَ﴾ بلغوا الحلم.
﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ أو ذكروا من قبلهم كما قال تعالى فيما تقدم :﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ الآية فالمعنى فليستأذنوا استئذاناً كائناً مثل استئذان المذكورين قبلهم بأن يستأذنوا في جميع الأوقات ويرجعوا إن قيل لهم : ارجعوا.
﴿كَذَالِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَـاتِهِ ا وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ كرره للتأكيد والمبالغة في الأمر بالاستئذان.
اعلم أن بلوغ الصغير بالإحبال والإنزال والاحتلام وبلوغ الصغيرة بهما وبالحبل والحيض فإن لم يوجد فيهما شيء من الأصل وهو الإنزال والعلامة وهو الباقي فيبلغان حين يتم لهما خمس عشرة سنة كما هو المشهور وبه يفتى لقصر أعمار أهل زماننا.
قال بعض الصحابة : كان الرجل فيمن قبلكم لا يحتلم حتى يأتي عليه ثمانون سنة.
قال وهب : إن أصغر من مات من ولد ابن آدم ولد مائتي سنة وأدنى مدة البلوغ للغلام اثنتا عشرة سنة ولذا تطرح هذه المدة من سن الميت الذكر ثم يحسب ما بقي من عمره فتعطى فدية صلاته على ذلك وأدنى مدته للجارية تسع سنين على المختار ولذا تطرح هذه المدة من الميت الانثى فلا تحتاج إلى إسقاط صلاتها بالفدية ثم هذا بلوغ الظاهر وأما بلوغ الباطن فبالوصول إلى سر الحقيقة وكماليته في أربعين من أول كشف الحجاب وربما يحصل للبعض علامة ذلك في صباه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٧
قال أيوب عليه السلام : إن الله يزرع الحكمة في قلب الصغير والكبير فإذا جعل الله العبد حكيماً في الصبي لم تضع منزلته عند الحكماء حداثة سنه وهم يرون عليه من الله نور كرامته.


الصفحة التالية
Icon