ودخل الحسين بن فضل على بعض الخلفاء وعنده كثير من أهل العلم فأحب أن يتكلم فمنعه فقال أصبي يتكلم في هذا المقام؟ فقال : إن كنت صبياً فلست بأصغر من هدهد سليمان ولا أنت أكبر من سليمان حين قال ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ (النمل : ٢٢) (حكما كفته اند توانكرى بهنرست نه بمال
١٧٧
وبزركى بعقلست نه بسال) فالاعتبار لفضل النفس لا للصغر والكبر وغيرهما.
قال هشام بن عبد الملك لزيد بن علي : بلغني أنك تطلب الخلافة ولست لها بأهل قال : لم؟ قال : لأنك ابن أمة فقال : فقد كان إسماعيل ابن أمة وإسحاق ابن حرة وقد اخرج الله من صلب إسماعيل خير ولد آدم صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
قال المولى الجامي قدس سره :
ه غم زمنقصت صورت أهل معنى را
وجان زروم بود كوتن از حبش مى باش
قال السعدي قدس سره.
و كنعانرا طبيعت بي هنر بود
يمبر زاد كى قدرش نيغزود
هنر بنماى أكر دارى نه كوهر
كل ازخارست وإبراهيم از آزر
﴿وَالْقَوَاعِدُ﴾ مبتدأ جمع قاعد بلا هاء لاختصاصها بالمرأة وإذا أردت القعود بمعنى الجلوس قلت : قاعدة كحامل من حمل البطن وحاملة من حمل الظهر.
قال في "القاموس" : القاعد التي قعدت عن الولد وعن الحيض وعن الزوج.
﴿مِنَ النِّسَآءِ﴾ حال من المستكن في القواعد أي العجائز اللاتي قعدن عن الحيض والحمل.
وبالفارسية (ونشستكان درخانها وباز ما ندكان).
﴿الَّـاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا﴾ صفة للقواعد لا للنساء، أي لا يطمعن في النكاح لكبرهن فاعتبر فيهن القعود عن الحيض والحمل والكبر أيضاً لأنه ربما ينقطع الحيض والرغبة فيهن باقية.
وبالفارسية :(آنانكه اميد ندارند نكاح خودرا يعني طمع نمى كنندكه كسى ايشانرا نكاح كند بجهت يرى وعجز) ﴿فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ﴾ الجملة خبر مبتدأ أي إثم ووبال في.
﴿أَن يَضَعْنَ﴾ عند الرجال ﴿ثِيَابَهُنَّ﴾ أي الثياب الظاهرة كالجلباب والإزار فوق الثياب والقناع فوق الخمار ﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجَـاتا بِزِينَةٍ﴾ حال من فاعل يضعن.
وأصل التبرج التكلف في إظهار ما يخفى خص بكشف عورة زينتها ومحاسنها للرجال.
والمعنى حال كونهن غير مظهرات لزينة خفية كالسوار والخلخال والقلادة لكن لطلب التخفيف جاز الوضع لهن ﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ﴾ بترك الوضع أي يطلبن العفة وهي حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة وهو مبتدأ خبره قوله :﴿خَيْرٌ لَّهُنَّ﴾ من الوضع لبعده من التهمة.
﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ مبالغ في جميع ما يسمع فيسمع ما يجرى بينهن وبين الرجال من المقاولة.
﴿عَلِيمٌ﴾ فيعلم مقاصدهن وفيه من الترهيب ما لا يخفى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٧
اعلم أن العجوز إذا كانت بحيث لا تشتهى جاز النظر إليها لأمن الشهوة.
وفيه إشارة إلى أن الأمور إذا خرجت عن معرض الفتنة وسكنت نائرة الآفات سهل الأمر وارتفعت الصعوبة وأبيحت الرخص ولكن التقوى فوق أمر الفتوى كما أشار إليه قوله تعالى :﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ﴾ وفي الحديث :"لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس".
قال ابن سيرين ما غشيت امرأة قط لا في يقظة ولا في نوم غير أم عبد الله وأني لأرى المرأة في المنام فأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري.
قال بعضهم : ليت عقلي في اليقظة كعقل ابن سيرين في المنام.
وفي "الفتوحات المكية" : يجب على الورع أن يجتنب في خياله كما يجتنب في ظاهره لأن الخيال تابع للحس ولهذا كان المريد إذا وقع له احتلام فلشيخه معاقبته على ذلك لأن الاحتلام برؤيا في النوم أو بالتصور في اليقظة لا يكون إلا من بقية الشهوة في خياله فإذا احتلم صاحب كمال فإنما
١٧٨
ذلك لضعف أعضائه الباطنة لمرض طرأ في مزاجه لا عن احتلام لا في حلال ولا في حرام انتهى.
ثم إن العجوز في حكم الرجل في ترك الحجاب لا في مرتبته كما قال حكيم : إن خير نصفي الرجل آخره يذهب جهله ويتقرب حلمه ويجتمع رأيه وشر نصفي المرأة آخرها يسوء خلقها ويحد لسانها ويعقم رحمها.


الصفحة التالية
Icon