وعدم رجاء النكاح إنما هو من طرف الرجل لا من طرف العجوز غالباً فإنه حكى أن عجوزاً مرضت فأتى ابنها بطبيب فرآها متزينة بأثواب مصبوغة فعرف حالها فقال ما أحوجها إلى الزوج فقال الابن : ما للعجائز والأزواج فقالت : ويحك أنت أعلم من الطبيب وحكي : لما مات زوج رابعة العدوية استأذن عليها الحسن البصري وأصحابه فأذنت لهم بالدخول عليها وأرخت ستراً وجلست وراء الستر فقال لها الحسن وأصحابه : إنه قد مات بعلك ولا بد لك منه قالت نعم وكرامة لكن من أعلمكم حتى أزوجه نفسي؟ فقالوا : الحسن البصري فقالت : إن أجبتني في أربع مسائل فأنا لك فقال : سلي إن وفقني الله أجبتك قالت : ما تقول لو مت أنا وخرجت من الدنيا مت على الإيمان أم لا؟ قال : هذا غيب لا يعلمه إلا الله ثم قالت : ما تقول لو وضعت في القبر وسألني منكر ونكير أأقدر على جوابهما أم لا؟ قال : هذا غيب أيضاً قالت : إذا حشر الناس يوم القيامة وتطايرت الكتب أأعطى كتابي بيميني أم بشمالي؟ قال : هذا غيب أيضاً ثم قالت : إذا نودي في الخلق فريق في الجنة وفريق في السعير كنت أنا من أي الفريقين؟ قال : هذا غيب أيضاً قالت : من كان له علم هذه الأربعة كيف يشتغل بالتزوج ثم قالت : يا حسن أخبرني كم خلق الله العقل؟ قال : عشرة أجزاء تسعة للرجال وواحد للنساء ثم قالت : يا حسن كم خلق الله الشهوة؟ قال : عشرة أجزاء تسعة للنساء وواحد للرجال قالت يا حسن أنا أقدر على حفظ تسعة أجزاء من الشهوة بجزء من العقل وأنت لا تقدر على حفظ جزء من الشهوة بتسعة أجزاء من العقل فبكى الحسن وخرج من عندها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٧
وعن سليمان عليه السلام : الغالب على شهواته أشد من الذي يفتح المدينة وحده : قال الشيخ سعدي قدس سره :
مبر طاعت نفس شهوت رست
كه هر ساعتش قبلة ديكرست
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٧
﴿لَّيْسَ عَلَى الاعْمَى﴾ مفتقد البصر.
وبالفارسية (نا بينا) ﴿حَرَجٌ﴾ إثم ووبال ﴿وَلا عَلَى الاعْرَجِ حَرَجٌ﴾ العروج ذهاب في صعود وعرج مشى مشي العارج أي الذاهب في صعود فعرج كدخل إذا أصابه شيء في رجله فمشى مشية العرجان وعرج كطرب إذا صار ذلك خلقة له والأعرج بالفارسية (لنك) ﴿وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ المريض بالفارسية (بيمار) والمرض الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان كانت هذه الطوائف يتحرجون من مواكلة الأصحاء حذراً من استقذارهم إياهم وخوفاً من تأذيهم بأفعالهم وأوضاعهم فإن الأعمى ربما سبقت إليه عين مواكله ولا يشعر به والأعرج يتفسح في مجلسه فيأخذ أكثر من موضعه فيضيق على جليسه والمريض لا يخلو عن حالة تؤذي قرينه أي برائحة كريهة أو جرح يبدو أو أنف يسيل أو نحو ذلك فقال تعالى لا بأس لهم بأن يأكلوا مع الناس ولا مأثم عليهم.
﴿وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ أي : عليكم وعلى من يماثلكم في الأحوال من المؤمنين حرج.
﴿أَن تَأْكُلُوا﴾ الأكل تناول المطعم، أي أن تأكلوا أنتم ومن معكم ﴿مِنا بُيُوتِكُمْ﴾ أصل البيت مأوى الإنسان بالليل ثم
١٧٩
قد يقال من غير اعتبار الليل فيه لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر وليس المعنى أن تأكلوا من البيوت التي تسكنون فيها بأنفسهم وفيها طعامكم وسائر أموالكم لأن الناس لا يتحرجون من أكل طعامهم في بيوت أنفسهم، فينبغي أن يكون المعنى من بيوت الذين كانوا في حكم أنفسكم لشدة الاتصال بينهم وبينكم كالأزواج والأولاد والمماليك ونحوهم فإن بيت المرأة كبيت الزوج وكذا بيت الأولاد فلذلك يضيف الزوج بيت زوجته إلى نفسه وكذا الأب يضيف بيت ولده إلى نفسه، وفي الحديث :"إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" وفي حديث آخر :"أنت ومالك لأبيك" فإذا كان هذا حال الأب مع الولد فقس عليه حال المملوك مع المولى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٩


الصفحة التالية
Icon