قالوا : إن لم يكن في البيت أحد يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد روي أن الملائكة ترد عليه وكذا حال المسجد، وفي الحديث :"إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلها وإذا طعم أحدكم طعاماً فليذكر اسم الله عليه فإن الشيطان إذا سلم أحدكم لم يدخل بيته معه، وإذا ذكر الله على طعامه قال لا مبيت لكم ولا عشاء وإن لم يسلم حين يدخل بيته ولم يذكر اسم الله على طعامه قال أدركتم العشاء والمبيت" والتسليم على الصبيان العقلاء أفضل من تركه كما في "البستان".
ولا يسلم على جماعة النساء الشواب كيلا يحصل بينهما معرفة وانبساط فيحدث من تلك المعرفة فتنة.
ولا يبتدىء اليهود والنصارى بالسلام فإنه حرام لأنه
١٨٢
إعزاز الكافر وذا لا يجوز.
وكذا السلام على أهل البدعة ولو سلم على من لا يعرفه فظهر ذمياً أو مبتدعاً يقول استرجعت سلامي تحقيراً له ولو احتاج إلى سلام أهل الكتاب يقول السلام على من اتبع الهدى ولو رد يقول وعليكم فقط وقد مر ما يتعلق بالسلام مشبعاً في الجلد الأول عند قوله تعالى في سورة النساء :﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ﴾ الآية فارجع.
قال في "حقائق البقلي" قدس سره : إذا دخلتم بيوت أؤلياء الله بالحرمة والاعتقاد الصحيح فأنتم من أهل كرامة الله فسلموا على أنفسكم بتحية الله فإنها محل كرامة الله في تلك الساعة.
يقول الفقير : وكذا الحال في دخول المزارات والمشاهد المتبركة وإن كان العامة لا يعرفون ذلك ولا يعتقدون.
قال الكمال الخجندي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٩
صوفيم ومعتقد صوفيان
كيست و من صوفىء نيك اعتقاد
قال الحافظ :
برسر تربت ما ون كذرى همت خواه
كه زيارتكه رندان جهان خواهند بود
وقال الجامي :
نسيم الصبح زرعني ربي نجد وقبلها
كه بوى دوست مى آيدازان ا كيزه منزلها
اللهم اجعلنا من الذين يجدون النفس الرحماني من قبل اليمن في كل حين وزمن.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٩
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ نزلت حين جمع النبي عليه السلام المسلمين يوم الجمعة ليستشيرهم في أمر الغزو وكان يثقل المقام عنده على البعض فيخرج بغير إذنه أو في حفر الخندق، وكان المنافقون ينصرفون بغير أمر رسول الله وكان الحفر من أهم الأمور حتى حفر رسول الله بنفسه وشغل عن أربع صلوات حتى دخلت في حد القضاء فقال تعالى :﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي : الكاملون في الإيمان وهو مبتدأ خبره قوله :﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ عن صميم قلوبهم وأطاعوهما في جميع الأحكام في السر والعلانية.
﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ﴾ مع النبي عليه السلام ﴿عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ إلى آخره معطوف على آمنوا داخل معه في حيز الصلة أي على أمر مهم يجب اجتماعهم في شأنه كالجمعة والأعياد والحروب والمشاورة في الأمور وصلاة الاستسقاء وغيرها من الأمور الداعية إلى الاجتماع ووصف الأمر بالجمع للمبالغة في كونه سبباً لاجتماع الناس فإن الأمر لكونه مهماً عظيم الشأن صار كأنه قد جمع الناس فهو من قبيل إسناد الفعل إلى السبب.
﴿لَّمْ يَذْهَبُوا﴾ من المجمع ولم يفترقوا عنه عليه السلام ﴿حَتَّى يَسْتَـاْذِنُوهُ﴾ عليه السلام في الذهاب فيأذن لهم واعتبر في كمال الإيمان عدم الذهاب قبل الاستئذان لأنه المميز للمخلص من المنافق ثم قال لمزيد التأكيد.
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ﴾ يطلبون الإذن منك ﴿أولئك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ لا غير المستأذنين.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٣
قال الكاشفي :(تعريض جمع منافقا نست كه در غزوة تبوك بتخلف از جهاد دستورى جستند ودر بارة ايشان نازل شدكه).
﴿إِنَّمَا يَسْتَـاْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ الآية (التوبة : ٤٥) أي فبعض المستأذنين وكل غير المستأذنين دخلوا في الترهيب وذلك بحسب الأغراض الفاسدة ولأنه فرق بين الاستئذان في التخلف وبين الاستئذان في الانصراف ألا ترى إلى عمر رضي الله عنه استأذنه عليه السلام في غزوة تبوك في الرجوع إلى أهله فأذن له فقال :"انطلق فوالله ما أنت بمنافق" هكذا لاح بالبال.
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي : وبعد ما تحقق أن الكاملين في الإيمان هم
١٨٣
المستأذنون فإذا استاذنوك في الانصراف ﴿لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ الشأن الحال والأمر ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور كما في "المفردات" لبعض أمرهم المهم أو خطبهم الملم لم يقل لشؤونهم بل قيد بالبعض تغليظاً عليهم في أمر الذهاب عن مجلس رسول الله مع العذر المبسوط ومساس الحاجة ﴿فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ لما علمت في ذلك من حكمة ومصلحة فلا اعتراض عليك في ذلك ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ﴾ بعد الإذن فإن الاستئذان وإن كان لعذر قوي لا يخلو عن شائبة تفضيل أمر الدنيا على الآخرة.


الصفحة التالية
Icon