ففيه إشارة إلى أن الأفضل أن لا يحدث المرء نفسه بالذهاب فضلاً عن الذهاب.
﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ مبالغ في مغفرة فرطات العباد ﴿رَّحِيمٌ﴾ مبالغ في إفاضة أثر الرحمة عليهم.
وفي الآية بيان حفظ الأدب بأن الإمام إذا جمع الناس لتدبير أمر من أمور المسلمين ينبغي أن لا يرجعوا إلا بإذنه ولا يخالفوا أمير السرية ويرجعوا بالإذن إذا خرجوا للغزو ونحوه وللإمام أن يأذن وله أن لا يأذن إلا على ما يرى فمن تفرق بغير إذن صار من أهل الهوى والبدع وكان عليه السلام إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد رجل الخروج وقف حيث يراه فيأذن له إن شاء ولذا قال عظماء الطريقة قدس الله أسرارهم : إن المريد إذا أراد أن يخرج لحاجة ضرورية ولم يجد الشيخ مكانه فإنه يحضر الباب ويتوجه بقلبه فيستأذن من روحانية الشيخ حتى لا يستقل في خروجه بل يقع ذلك من طريق المتابعة فإن للمتابعة تأثيراً عظيماً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٣
قال في "التأويلات النجمية" : فيه إشارة إلى أن المريد الصادق من يكون مستسلماً لتصرفات شيخه وأن لا يتنفس إلا بإذن شيخه ومن خالف شيخه في نفسه سراً أو جهراً لا يشم رائحة الصدق وسيره غير سريع وإن بدر منه شيء من ذلك فعليه بسرعة الاعتذار والإفصاح عما حصل منه من المخالفة والخيانة ليهديه شيخه إلى ما فيه كفارة جرمه ويلتزم في الغرامة بما يحكم به عليه وإذا رجع المريد إلى الله وإلى شيخه بالصدق وجب على شيخه جبران تقصيره بهمته فإن المريدين عيال على الشيوخ فرض عليهم أن ينفقوا عليهم من قوت أموالهم بما يكون جبراناً لتقصيرهم انتهى.
فعلى المريدين أن يوافقوا مشايخهم في جميع الأحوال وأن لا يستبدوا بآرائهم في أمور الشريعة والطريقة وأن لا يخالفوهم بالاستبعاد بالخروج من عندهم إلى السفر والحضر والمجاهدة والرياضة.
قال عبد الله الرازي : قال قوم من أصحاب أبي عثمان لأبي عثمان قدس سره : أوصنا قال : عليكم بالاجتماع على الدين وإياكم ومخالفة الأكابر والدخول في شيء من الطاعات إلا بإذنهم ومشورتهم وواسوا المحتاجين بما أمكنكم فأرجو أن لا يضيع الله لكم سعياً انتهى فمن وقع منه تقصير فلا يقنط فإن الله تعالى قبولاً ثم قبولاً.
قال المولى الجامي :
بلى نبود درين ره نا اميدى
سياهى را بود رو در سفيدى
ز صد در كر اميدت بر نيايد
بنو ميدى جكر خوردن نشايد
در ديكر ببايد زد كه ناكاه
ازان در سوى مقصود آورى راه
والله تعالى يقبل التوبة والاستغفار.
واعلم أن هذه الأبيات تشير إلى أبواب الشفاعة وكثرتها وإلا فمن رده باب من الأبواب الحقة فلا تقبله سائر الأبواب ألا ترى أن من رده الله تعالى
١٨٤
لا يقبله النبي عليه السلام، ومن رده النبي عليه السلام لا يقبله الخلفاء الأربعة ولا غيرهم من أمته، فمن ترك الاستئذان من رسول الله لا يأذن له أحد ولو أذن لا يفيد وكذا حال من ترك الاستئذان من وارث رسول الله يعني أنه لا يفيد إذن غير الوارث وأما إذن وارث آخر فلا يتصور ؛ لأن الوارثين كالحلقة المفرغة فإذا لم ينطبع في مرآة واحد منهم صورة صلاح أحد لم ينطبع في مرآة الآخر نسأل الله القبول بحرمة الرسول.
﴿لا تَجْعَلُوا دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ﴾ المصدر مضاف إلى الفاعل أي لا تجعلوا دعوته وأمره إياكم في الاعتقاد والعمل بها.
﴿كَدُعَآءِ بَعْضِكُم بَعْضًا﴾ أي : لا تقيسوا دعوته إياكم إلى شيء من الأمور على دعوة بعضكم بعضاً في جواز الأعراض والمساهلة في الإجابة والرجوع بغير إذن فإن المبادرة إلى إجابته واجبة والمراجعة بغير إذنه محرمة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٣
وقال بعضهم : المصدر مضاف إلى المفعول والمعنى لا تجعلوا نداءكم إياه وتسميتكم له كنداء بعضكم بعضاً باسمه مثل يا محمد ويا ابن عبد الله ورفع الصوت به والنداء وراء الحجرة ولكن بلقبه المعظم مثل يا نبي الله ويا رسول الله كما قال تعالى : يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ} (الأنفال : ٦٤) يا اأَيُّهَا الرَّسُولُ} (المائدة : ٤١) قال الكاشفي :(حضرت عزت همه انبيارا بنداى علامت خطاب كرده وحبيب خودرا بنداى كرامت).
يا آدمست با درانبيا خطاب
يا أيها النبي خطاب محمد است
قال أبو الليث في "تفسيره" : وفي الآية بيان توقير معلم الخير لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان معلم الخير فأمر الله بتوقيره وتعظيمه وفيه معرفة حق الأستاذ وفيه معرفة أهل الفضل.
قال في "حقائق البقلي" : احترام الرسول من احترام الله ومعرفته من معرفة الله والأدب في متابعته من الأدب مع الله.


الصفحة التالية
Icon