قال ابن الشيخ : جمع بالواو والنون لأن المقصود استغراق أفراد العقلاء من جنس الجن والإنس فإن جنس الملائكة وإن كان من جملة أجناس العالم إلا أن النبي عليه السلام لم يكن رسولاً إلى الملائكة فلم يبق من العالمين المكلفين إلا الجن والإنس فهو رسول إليهما جميعاً انتهى أي فتكون الآية، وقوله عليه السلام :"أرسلت للخلق كافة" من العام المخصوص ولم يبعث نبي غيره عليه السلام إلا إلى قوم معين وأما نوح عليه السلام فإنه وإن كان له عموم بعثة لكن رسالته ليست بعامة لمن بعده وأما سليمان عليه السلام فإنه كان مبعوثاً إلى الجن فإنه من التسخير العام لا يلزم عموم الدعوة.
والآية حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه في قوله : ليس للجن ثواب إذا أطاعوه سوى النجاة من العذاب ولهم عقاب إذا عصوا حيث اكتفى بقوله :﴿لِيَكُونَ لِلْعَـالَمِينَ نَذِيرًا﴾ ولم يذكر البشارة.
قال في "الإرشاد" : عدم التعرض للتبشير لانسياق الكلام على أحوال الكفرة.
﴿الَّذِى﴾ أي هو الذي ﴿لَهُ﴾ خاصة دون غيره استقلالاً أو اشتراكاً ﴿مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ الملك هو التصرف بالأمر والنهي في الجمهور.
قال الكاشفي :(ادشاهىء آسما نهارا وزمينها ه وى منفر داست بآ فريد آنها س اورا رسد تصرف دران) ثم قال رداً على اليهود والنصارى :﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ ليرث ملكه لأنه حي لا يموت وهو عطف على ما قبله من الجملة الظرفية.
قال في "المفردات" : تخذ بمعنى أخذ واتخذ افتعل منه والولد المولود ويقال للواحد والجمع والصغير والكبير والذكر والأنثى ثم قال رداً على قريش :﴿وَلَمْ يَكُن لَّه شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ﴾ أي : في ملك السموات والأرض لينازعه أو ليعاونه في الإيجاد.
وفي "المثنوي" :
واحد اندر ملك اورا يارنى
بندكانش را جز اوسالارنى
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٧
نيست خلقش رادكركس مالكي
شركتش دعوت كند جزهالكي
﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ﴾ أحدث كل موجود من الموجودات من مواد مخصوصة على صور معينة ورتب فيه قوى وخواص مختلفة الأحكام والآثار.
﴿فَقَدَّرَه تَقْدِيرًا﴾ أي : فهيأه لما أراده منه من الخصائص والأفعال اللائقة به كهيئة الإنسان للإدراك والفهم والنظر والتدبر في أمور المعاش والمعاد واستنباط الصنائع المتنوعة ومزاولة الأعمال المختلفة وهكذا أحوال سائر الأنواع.
١٨٨
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٧
﴿وَاتَّخَذُوا﴾ أي : المشركون لأنفسهم ﴿مِن دُونِهِ﴾ أي حال كونهم متجاوزين عبادة الذي خلق هذه الأشياء.
﴿ءَالِهَةً﴾ من الأصنام ﴿لا يَخْلُقُونَ شَيْـاًا﴾ أي : لا تقدر تلك الآلهة على خلق شيء من الأشياء أصلاً لا على ذهاب ولا على غيره وإنما ذكر الأصنام بلفظ العقلاء لأن الكفار يجعلونهم بمنزلة العقلاء فخاطبهم بلغتهم كما في "تفسير أبي الليث".
﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ كسائر المخلوقات ﴿وَلا يَمْلِكُونَ لانفُسِهِمْ﴾ أي : لا يستطيعون ﴿ضَرًّا﴾ أي دفع ضر قدم لكونه أهم من النفع ﴿وَلا نَفْعًا﴾ ولا جلب نفع فكيف يملكون شيئاً منهما لغيرهم فهم أعجز من الحيوان فإنه ربما يملك دفع الضر وجلب النفع لنفسه في الجملة.
﴿وَلا يَمْلِكُونَ لانفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا﴾ أي : لا يقدرون على إماتة الأحياء وإحيائهم أولاً وبعثهم ثانياً ومن كان كذلك فبمعزل عن الألوهية لعرائه عن لوازمها واتصافه بما ينافيها.
وفيه تنبيه على أن الإله يجب أن يكون قادراً على البعث والجزاء يعني أن الضار والنافع والمميت والمحيي والباعث هو الله تعالى فهو المعبود الحقيقي وما سواه فليس بمعبود بل عابدتعالى كما قال تعالى :﴿إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ إِلا ءَاتِى الرَّحْمَـانِ عَبْدًا﴾ (مريم : ٩٣).
وفي الآية إشارة إلى الأصنام المعنوية وهم المشايخ المدّعون والدجاجلة المضلون فإنهم ليسوا بقادرين على إحياء القلوب وإماتة النفوس فالتابعون لهم في حكم عابدي الأصنام فليحذر العاقل من اتخاذ أهل الهوى متبوعاً فإن الموت الأكبر الذي هو الجهل إنما يزول بالحياة الأشرف الذي هو العلم فإن كان للعبد مدخل في إفادة الخلق العلم النافع ودعائهم إلى الله على بصيرة فهو الذي رقى غيره من الجهل إلى المعرفة وأنشأه نشأة أخرى وأحياه حياة طيبة بإذن الله تعالى وهي رتبة الأنبياء ومن يرثهم من العلماء العاملين وأما من سقط عن هذه الرتبة فليس الاستماع إلى كلامه إلا كاستماع بني إسرائيل إلى صوت العجل.
قال المولى الجامي قدس سره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٩
بلاف نا خلفان زمانه غره مشو
مروو سامرى ازره ببانك كوساله
وقد قال تعالى :﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّـادِقِينَ﴾ أي : كونوا في جملة الصادقين ومصاحبين لهم وبعضهم ولذا قالوا يلزم للمرء أن يختار من البقاء أحسنها ديناً حتى يتعاون بالإخوان الصادقين.