ثم اعلم أن من الأمور اللازمة تعليم الجهلاء ورد الملاحدة والمبتدعة فإنه كوضع الدواء على جراحة المجروح أو كقتل الباغي المضر وردهم بالأجوبة القاطعة مما لا يخالف الشريعة والطريقة ألا ترى أن الله تعالى أمر حبيبه عليه السلام بالجواب للطاعنين في القرآن وقد أجاب السلف عمن أطال على القرآن وذهب على حدوثه ومخلوقيته وكتبوا رسائل وكذا علماء كل عصر جاهدوا المخالفين بما أمكن من المعارضة حتى ألقموهم الحجر وافخموهم وخصلوا الناس من شبهاتهم وشكوكهم وفي الحديث :"من انتهر" أي : منع "بكلام غليظ صاحب بدعة سيئة مما هو عليه من سوء الاعتقاد والفحش من القول والعمل ملأ الله تعالى قلبه أمناً وإيماناً ومن أهان صاحب بدعة آمنه الله تعالى يوم القيامة من الفزع الأكبر" أي : النفخة الأخيرة التي تفزع الخلائق عندها أو الانصراف إلى النار أوحين يطبق على النار أو يذبح الموت وأطلق الأمن في صورة الانتهار والمراد الأمن في الدنيا مما يخاف خصوصاً من مكر من انتهره ويدل عليه ما بعده وهو الإيمان فإنه من مكاسب الدنيا نسأل الله الأمن والأمان وكمال الإيمان والقيام بأوامره والاتعاظ بمواعظه وزواجره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٠
﴿وَقَالُوا﴾ أي المشركون من أشراف قريش كأبي جهل وعتبة وأمية وعاص وأمثالهم وذلك حين اجتماعهم عند ظهر الكعبة ﴿مَآ﴾ استفهامية بمعنى إنكار الوقوع ونفيه مرفوعة على الابتداء خبرها قوله ﴿هَـاذَا الرَّسُولِ﴾ وجدت اللام مفصولة عن الهاء في المصحف واتباعه سنة وفي هذا تصغير لشأنه عليه السلام وتسميته رسولاً بطريق الاستهزاء أي أي سبب حصل لهذا الذي يدعي الرسالة حال كونه.
﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾ كما نأكل والطعام ما يتناول من الغذاء.
﴿وَيَمْشِى فِى الاسْوَاقِ﴾ لطلب المعاش كما نمشي جمع سوق وهو الموضع الذي يجلب إليه المتاع للبيع ويساق أنكروا أن يكون الرسول بصفة البشر يعني إن صح دعواه فما باله لم يخالف حاله حالنا.
قال بعضهم : ليس بملك ولا ملك وذلك لأن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون والملوك لا يتسوقون ولا يبتذلون فعجبوا أن يكون مثلهم في الحال ولا يمتاز من بينهم بعلو المحل والجلال لعدم بصيرتهم وقصور نظرهم على المحسوسات فإن تمييز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية وإنما هو بأحوال نفسانية فالبشرية مركب الصورة والصورة مركب القلب والقلب مركب العقل والعقل مركب الروح والروح مركب المعرفة والمعرفة قوة قدسية صدرت عن كشف عين الحق.
قال الكاشفي :(ند انستندكه نبوت منا في بشريت نيست بلكه مقتضى آنست تاتناسب وتجانس كه سبب افاده واستفاده است بحصول يوندد).
جنس بايد تادر آميزد بهم
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الكفار صم بكم عمي فهم لا يعقلون لأنهم نظروا إلى الرسول بنظر الحواس الحيوانية وهم بمعزل من الحواس الروحانية والربانية فما رأوا منه إلا ما يرى من الحيوان وما رأوه بنظر يرى به النبوة والرسالة ليعرفوه أنه ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين فلهذا قال تعالى :
١٩١
﴿وَتَرَاـاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ (الأعراف : ١٩٨) وذلك لأنه لهم قلوب لا يفقهون بها النبوة والرسالة ولهم أعين لا يبصرون بها الرسول والنبي ولهم آذان لا يسمعون بها القرآن ليعلموا أنه معجزة الرسول فيؤمنوا به.
﴿لَوْلا﴾ حرف تحضيض بمعنى : هلا وبالفارسية (را).
﴿أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ﴾ أي على هيئته وصورته المباينة لصورة البشر والجن ﴿فَيَكُونَ﴾ نصب لأنه جواب لولا ﴿مَعَهُ﴾ مع الرسول ﴿نَذِيرًا﴾ معيناً له في الإنذار معلوماً صدقه بتصديقه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٠
﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ﴾ من السماء يستظهر به ويستغنى عن تحصيل المعاش.
والكنز المال المكنوز أي المجموع المحفوظ.
وبالفارسية (كنج) ﴿أَوْ تَكُونُ لَه جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ أي إن لم يلق إليه كنز فلا أقل من أن يكون له بستان يتعيش بفائدة كما لأهل الغنى والقرى ﴿وَقَالَ الظَّـالِمُونَ﴾ وهم القائلون الأولون لكن وضع المظهر موضع ضميرهم تسجيلاً عليهم بالظلم وتجاوز الحد فيما قالوا لكونه اضلالاً خارجاً عن حد الضلال أي قالوا للمؤمنين :﴿وَلا تَتَّبِعُوا﴾ أي ما تتبعون ﴿إِلا رَجُلا مَّسْحُورًا﴾ قد سحر فغلب على عقله.
قال بعض أهل الحقائق : كانوا يرون قبح حالهم في مرآة النبوة وهم يحسبون أنه حال النبي عليه السلام.
والسحر مشتق من السحر الذي هو اختلاط الضوء والظلمة من غير تخلص لأحد الجانبين والسحر له وجه إلى الحق ووجه إلى الباطل فإنه يخيل إلى المسحور أنه فعل ولم يفعل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٠


الصفحة التالية
Icon