﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الامْثَـالَ﴾ أي : كيف قالوا في حقك تلك الأقاويل العجيبة الخارجة عن العقول الجارية لغرابتها مجرى الأمثال واخترعوا لك تلك الأحوال الشاذة البعيدة من الوقوع وذلك من جهلهم بحالك وغفلتهم عن جمالك.
قال بعضهم : مثلوك بالمسحور والفقير الذي لا يصلح أن يكون رسولاً والناقص عن القيام بالأمور إذ طلبوا أن يكون معك مثلك.
﴿فَضَلُّوا﴾ عن الحق ضلالاً مبيناً ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا﴾ إلى الهدى ومخرجاً من ضلالتهم.
قال بعض الأكابر : وقد أبطلوا الاستعداد بالاعتراض والإنكار على النبوة فحرموا من الوصول إلى الله تعالى.
﴿تَبَارَكَ الَّذِى﴾ أي : تكاثر وتزايد خير الذي ﴿إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ﴾ في الدنيا لأنه قد شاء أن يعطيه ذلك في الآخرة ﴿خَيْرًا مِّن ذَالِكَ﴾ مما قالوا من إلقاء الكنز وجعل الجنة ولكن آخره إلى الآخرة لأنه خير وأبقى وخص هذا الموضع بذكر تبارك لأن ما بعده من العظائم حيث ذكر النبي عليه السلام والله تعالى خاطبه بقوله :"لولاك يا محمد ما خلقت الكائنات" كذا في "برهان القرآن".
﴿جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ﴾ بدل من خيراً ومحقق لخيريته مما قالوا لأن ذلك كان مطلقاً عن قيد التعدد وجريان الأنهار ﴿وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورَا﴾ بيوتاً مشيدة في الدنيا كقصور الجنة.
وبالفارسية (كوشكهاى عالي ومسكنهاى رفيع).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
قال الراغب : يقال قصرت كذا ضممت بعضه إلى بعض ومنه سمي القصر انتهى والجملة عطف على محل الجزاء الذي هو جعل، وفي الحديث :"أن ربي عرض على أن يجعل لي بطحاء مكة ذهباً قلت : لا يا ربّ ولكن أجوع يوماً وأشبع يوماً فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليه وأدعوك وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك".
قال الكاشفي :(دراسباب نزول مذكور راست كه ون ما لداران قريش حضرت رسالت را بفقر وفاقه سرزنش كردند رضوان كه آرايندة روضات جنانست با أين
١٩٢
آيت نازل شد ودرجى از نور بيش حضرت نهاد وفر مودكه روردكار تو ميفر ما يدكه مفاتح خزائن دنيا دراينجاست آنرا بدست تصرف توميد هيم بي آنكه از كرامت ونعمتي كه نامزد توكرده أيم در آخت مقدار برشه كم نكردد حضرت فرمود كه أي رضوان مرا بدينها حاجت نيست فقررا دوستر ميدارم وميخواهم كه بندة شكور وصبور باشم رضوان كفت "أصبت أصاب الله" يك نشانة علو همت آن حضرت همينست كه باوجود تنكدستي واحتياج كوشة شم التفات بر خزائن روى زمين نيفكند آنرا ملاحظه بايد نمودكه درشب معراج مطلقاً نظر بما سوى الله نكشوده وبهي يز از بدائع ملكوت وغرائب عرصة جبروت التفاوت نفرمود تا عبارات ازان اين آمدكه ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ (النجم : ١٧)).
زرنك آميزىء ريحان آن باغ
نهاده شم خودرا مهر ما زاغ
نظر ون بركوفت ازنقش كونين
قدم زد در حريم قاب قوسين
وعن عائشة رضي الله عنها قلت يا رسول الله ألا تستطعم الله فيطعمك قالت وبكيت لما رأيت به من الجوع وشد الحجر على بطنه من السغب فقال :"يا عائشة والذي نفسي بيده لو سألت ربي أن يجري معي جبال الدنيا ذهباً لأجراها حيث شئت من الأرض ولكن اخترت جوع الدنيا على شبعها وفقرها على غناها وحزن الدنيا على فرحها.
يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد".
يقول الفقير عصمه الله القدير : كان عليه السلام من أهل الإكسير الأعظم والحجر المكرم فإن شأنه على من شأن سائر الأنبياء من كل وجه وقد أوتوا ذلك العلم الشريف وعمل به بعضهم كإدريس وموسى ونحوهما على ما في كتب الصناعة الحجرية لكنه عليه السلام لم يلتفت إليه ولم يعمل به ولو عمل به لجعل مثل الجبال ذهباً ولملك مثل ملك كسرى وقيصر لأنه ليس بمناف للحكمة بالكلية فإن بعض الأنبياء قد أوتوا في الدنيا مع النبوة ملكاً عظيماً.
وإنما اختار الفقر لنفسه لوجوه.
أحدها أنه لو كان غنياً لقصده قوم طمعاً في الدنيا فاختار الله له الفقر حتى أن كل من قصده علم الخلائق أنه قصده طلباً للعقبى.
والثاني ما قيل أن الله اختار الفقر له نظراً لقلوب الفقراء حتى يتسلى الفقير بفقره كما يتسلى الغني بماله.
والثالث ما قيل أن فقره دليل على هوان الدنيا على الله تعالى كما قال عليه السلام :"لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء" فالله تعالى قادر على أن يعطيه ذلك الذي عيروه بفقده وما هو خير من ذلك بكثير ولكنه يعطي عباده على حسب المصالح وعلى وفق المشيئة ولا اعتراض لأحد عليه في شيء من أفعاله فيفتح على واحد أبواب المعارف والعلوم ويستدّ عليه أبواب الدنيا وفي حق الآخر بالعكس من ذلك في القصيدة البردية :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
وراودته الجبال الشم من ذهب
عن نفسه فأراها أيّما شمم
الشم جمع الأشم والشمم الارتفاع أي أراها ترفعاً أي ترفع لا يكتنه كنهه.
وأكدت زهده فيها ضرورته
أن الضرورة لا تعدو على العصم


الصفحة التالية
Icon