واعلم أن أهم الأمور الفوز بالجنة والنجاة من النار كما قال النبي عليه السلام للأعرابي الذي قال له : إني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار :"إني لا أعرف دندنتك ولا دندنة معاذ" قوله :"دندن" معناه إني لا أعرف ما تقول أنت ومعاذ يعني من الأذكار والدعوات المطولة ولكني اختصر على هذا المقدار فأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال له النبي عليه السلام حولها ندندن أي حول الجنة والنار أو حول مسألتهما والمسألة الأولى سؤال طلب والثانية سؤال استعاذة كما في "أبكار الأفكار" ومعنى الحديث أن المقصود بهذا الذكر الطويل الفوز بهذا الوافر الجزيل كما في "عقد الدرر واللآلى".
قال في "رياض الصالحين" : العبد في حق دينه إما سالم وهو المقتصر على أداء الفرائض وترك المعاصي أو رابح وهو المتبرع بالقربات والنوافل أو خاسر وهو المقصر في اللوازم فإن لم تقدر أن تكون رابحاً فاجتهد أن تكون سالماً وإياك أن تكون خاسراً وفي الحديث :"من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك" رواه البخاري وغيره.
قال بعض المشايخ : في هذا الحديث دليل على تفضيل الصوفية ويؤخذ ذلك من جعل هذا الأجر العظيم لمن هذا القول مائة مرة فكيف من يومه كله هكذا فإن طريقتهم مبنية على دوام الذكر والحضور وكان عليه السلام طويل الصمت كثير الذكر.
هرآن كو غافل ازحق يكز مانست
دران دم كافرست أما نهانست
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ أي : واذكر يا محمد لقومك يوم يحشر الله الذين اتخذا من دونه آلهة ويجمعهم.
﴿وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ ما عام يعم العقلاء وغيرهم لكن المراد هنا بقرينة الجواب الآتي العقلاء من الملائكة وعيسى وعزير.
﴿فَيَقُولُ﴾ أي الله تعالى للمعبودين
١٩٦
﴿أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى﴾ (كمراه كرديد).
﴿عِبَادِى هَـاؤُلاءِ﴾ بأن دعوتموهم إلى عبادتكم وأمرتموهم بها ﴿أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ﴾ عن السبيل بأنفسهم لإخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد النصيح فحذف الجار وأوصل الفعل إلى المفعول كقوله تعالى :﴿وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ﴾ (الأحزاب : ٤) والأصل إلى السبيل أو للسبيل.
يقول الفقير : والظاهر أنه محمول على نظيره الذي هو أخطؤوا الطريق وهو شائع.
فإن قلت : إنه تعالى كان عالماً في الأزل بحال المسؤول عنه فما فائدة هذا السؤال.
قلت : فائدته تقريع العبدة وإلزامهم كما قيل لعيسى عليه السلام :﴿قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَـاهَيْنِ مِن دُونِ اللَّه قَالَ﴾ لأنهم إذا سئلوا بذلك وأجابوا بما هو الحق الواقع تزداد حسرة العبيد وحيرتهم ويبكتون بتكذيب المعبودين إياهم وتبريهم منهم ومن أمرهم بالشرك وعبادة غير الله.
﴿قَالُوا﴾ استئناف كأنه قيل : فماذا قالوا في الجواب؟ فقيل : قالوا :﴿سُبْحَـانَكَ﴾ هو تعجب مما قيل لهم أو تنزيهتعالى عن الأنداد ويجوز أن يحمل ما يعبدون على الأصنام وهي وإن كانت جمادات لا تقدر على شيء لكن الله تعالى يخلق فيها الحياة ويجعلها صالحة للخطاب والسؤال والجواب ﴿مَا كَانَ يَنابَغِى لَنَآ﴾ أي ما صح وما استقام لنا.
﴿أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ﴾ أي متجاوزين إياك ﴿مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ من مزيدة لتأكيد النفي وأولياء مفعول نتخذ وهو من الذي يتعدى إلى مفعول واحد كقوله تعالى :﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾ (الأنعام : ١٤) والمعنى معبودين نعبدهم لما بنا من الحالة المنافية له وهي العصمة أو عدم القدرة فأنى يتصور أن تحمل غيرنا على أن يتخذ ولياً غيرك فضلاً عن أن يتخذنا ولياً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٦
قال ابن الشيخ : جعل قولهم : ما كان ينبغي إلخ كناية عن استبعاد أن يدعوا أحداً إلى اتخاذ ولي دونه لأن نفس قولهم بصريحه لا يفيد المقصود وهو نفي ما نسب إليهم من إضلال العباد وحملهم على اتخاذ الأولياء من دون الله.