وفي "التأويلات النجمية" : نزهوا الله عن أن يكون له شريك ونزهوا أنفسهم عن أن يتخذوا ولياً غير الله ويرضوا بأن يعبدوا من دون الله من الإنسان فلهذا قال تعالى فيهم :﴿أَوالَائكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ (البينة : ٦) ﴿وَلَـاكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَآءَهُمْ﴾ التمتع (برخورداري دادن) أي ما أضللناهم ولكن جعلتهم وآباءهم بالعمر الطويل واأنواع النعم ليعرفوا حقها ويشكروها فاستغرقوا في الشهوات وانهمكوا فيها ﴿حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾ أي : غفلوا عن ذكركك وتركوا ما وعظوا به أو عن التذكر لآلائك والتدبر في آياتك فجعلوا أسباب الهداية بسوء اختيارهم ذريعة إلى الغواية وهو نسبة الضلال إليهم من حيث أنه يكسبهم وإسناد له إلى ما فعل الله بهم فحملهم عليه كأنه قيل : إنا لا نضلهم ولم نحملهم على الضلال ولكن أضللت أنت بأن فعلت لهم ما يؤثرون به الضلال فخلقت فيهم ذلك وهو مذهب أهل السنة وفيه نظر التوحيد وإظهار أن الله هو السبب للأسباب.
درين من مكنم سرزنش بخود رويي
نانكه رورشم ميدهند ميرويم
﴿وَكَانُوا﴾ في قضائك الأزلي ﴿قَوْمَا بُورًا﴾ هالكين جمع بائر كما في "المفردات" أو مصدر وصف به الفاعل مبالغة ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع يقال : رجل بائر وقوم بور وهو الفاسد الذي لا خير فيه.
قال الراغب : البوار فرط الكساد ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى
١٩٧
الفساد كما قيل : كسد حتى فسد عبر بالبوار عن الهلاك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٦
﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُم﴾ أي : فيقول الله تعالى للعبد فقد كذبكم المعبودون أيها الكفرة.
﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ أي : في قولكم أنهم آلهة والباء بمعنى في ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾ أي ما تملكون أيها المتخذون الشركاء.
﴿صَرْفًا﴾ دفعاً للعذاب عنكم بوجه من الوجوه لا بالذات ولا بالواسطة.
﴿وَلا نَصْرًا﴾ أي : أفراداً من أفراد النصر لا من جهة أنفسكم ولا من جهة غيركم مما عبدتم وقد كنتم زعمتم أنهم يدفعون عنكم العذاب وينصرونكم.
﴿وَمَن﴾ (وهركه) ﴿يَظْلِم مِّنكُمْ﴾ أيها المكلفون أي يشرك كما دل عليه قوله :﴿نُذِقْهُ﴾ (بشانيم أورا در آخرت) ﴿عَذَابًا كَبِيرًا﴾ هي النار والخلود فيها فإن ما ترتب عليه العذاب الكبير ليس إلا الظلم العظيم الذي هو الشرك وفيه وعيد أيضاً لفساق المؤمنين ثم أجاب عن قولهم : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق بقوله.
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ﴾ أحداً ﴿مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا﴾ رسلاً ﴿إِنَّهُمْ﴾ كسرت الهمزة لوقوعها في صدر جملة وقعت صفة لموصوف محذوف أو إلا قيل : إنهم وإن تكسر بعد القول كما في "الأسئلة المقحمة".
﴿لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى الاسْوَاقِ﴾ فلم يكن ذلك منافياً لرسالتهم فأنت لا تكون بدعاً منهم.
﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ﴾ أيها الناس ﴿لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾ ابتلاء ومحنة الفقراء بالأغنياء والمرسلين بالمرسل إليهم ومناصبتهم لهم العداوة وأذاهم لهم والسقماء بالأصحاء والأسافل بالأعالي والرعايا بالسلاطين والموالي بذوي الأنساب والعميان بالبصراء والضعفاء بالأقوياء.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٨
قال الواسطي رحمه الله ما وجد موجود إلا لفتنة وما فقد مفقود إلا لفتنة ﴿أَتَصْبِرُونَ﴾ غاية للجعل أي لنعلم أنكم تصبرون وحث على الصبر على ما افتتنوا به.
قال أبو الليث اللفظ لفظ الاستفهام والمراد الأمر يعني اصبروا كقوله :﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ﴾ (المائدة : ٧٤) أي : توبوا.
وفي "التأويلات النجمية" : وجعلنا بعضكم يا معشر الأنبياء لبعض فتنة من الأمم بأن يقول بعضهم لبعض الأنبياء : ائتنا بمعجزة النبي الفلاني أتصبرون يا معشر الأنبياء على ما يقولون ويا معشر الأمم عما تقولون انتهى وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم على ما قالوه كأنه قيل : لا تتأذ بقولهم فإنا جعلنا بعض الناس سبباً لامتحان البعض والذهب إنما يظهر خلوصه بالنار ومن النار الابتلاء.
﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ بمن يصبر وبمن يجزع.
قال الإمام الغزالي : البصير هو الذي يشاهد ويرى حتى لا يعزب عنه ما تحت الثرى وأبصاره أيضاً منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان ومقدس أن يرجع إلى انطباع الصور والألوان في ذاته كما تنطبع في حدقة الإنسان فإن ذلك من التغير والتأثر المقتضي للحدوث وإذا نزه عن ذلك كان البصير في حقه عبارة عن الوصف الذي به ينكشف كمال نعوت المبصرات وذلك أوضح وأجلى مما يفهم من إدراك البصر من ظواهر المرئيات وحظ العبد من حيث الحس من وصف البصر ظاهر ولكنه ضعيف قاصر إذ لا يمتد إلى ما بعد ولا يتغلغل إلى باطن ما قرب بل يتناول الظواهر ويقصر عن البواطن والسرائر.
وإنما حظه الديني منه أمران أحدهما أن يعلم أنه خلق البصر لينظر إلى الآيات وعجائب الملكوت والسموات فلا يكون نظره إلا عبرة.
قيل لعيسى عليه السلام : هل أحد من الخلق مثلك؟ فقال : من كان نظره عبرة وصمته فكرة وكلامه ذكراً فهو مثلي.
والثاني
١٩٨