قلت : إنه من قبيل التقريع والتهكم كما في قوله تعالى :﴿قُلْ أَذَالِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾ (الفرقان : ١٥) كما سبق ويجوز أن يكون التفضيل لإرادة الزيادة المطلقة أي هم في أقصى ما يكون من خير وعلى هذا القياس قوله تعالى :﴿وَأَحْسَنُ مَقِيلا﴾ أي من الكفرة في دار الدنيا.
وبالفارسية :(ونيكوترست اجهت مكان قيلولة) أو في الآخرة بطريق التهكم أو هم في أقصى ما يكون من حسن المقيل وهو موضع القيلولة والقيلولة الاستراحة نصف النهار في الحر يقال : قلت قيلولة نمت نصف النهار والمراد بالمقيل ههنا المكان الذي ينزل فيه للاستراحة بالأزواج والتمتع بمغازلتهن أي محادثتهن ومراودتهن وإلا فليس في الجنة حر ولا نوم بل استراحة مطلقة من غير غفلة ولا ذهاب حس من الحواس وكذا ليس في النار مكان استراحة ونوم للكفار بل عذاب دائم وألم باق.
وإنما سمي بالمقيل لما روى أن أهل الجنة لا يمر بهم يوم القيامة إلا قدر النهار من أوله إلى وقت القائلة حتى يسكنون مساكنهم في الجنة وأهل النار في النار وأما المحبوسون من العصاة فتطول عليهم المدة مقدار خمسين ألف سنة من سني الدنيا والعياذ بالله تعالى.
ثم في أحسن رمز إلى أن مقيل أهل الجنة مزين بفنون الزين والزخارف كبيت العروس في الدنيا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠١
وفي "التأويلات النجمية" :﴿أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ﴾ يعني المؤمنين بالحشر والموقنين بالرؤية ﴿يَوْمَـاـاِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا﴾ لأن مستقر عوامهم الجنة ودرجاتها ومستقر خواصهم حضرة الربوبية وقرباتها لقوله تعالى إلى ربك يومئذٍ المستقر ﴿وَأَحْسَنُ مَقِيلا﴾ لأن النار مقيل منكري الحشر والجنة مقيل المؤمنين والحضرة مقيل الراجعين المجذوبين انتهى.
فعلى العاقل تحصيل المستقر الأخروي والمقيل العلوي.
وصار الشيخ الحجازي ليلة يردد قوله تعالى ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَـاوَاتُ وَالارْضُ﴾ ويبكي فقيل له : لقد أبكتك آية ما يبكى عند مثلها أي لأنها بيان لسعة عرض الجنة فقال : وما ينفعني عرضها إذا لم يكن لي فيها موضع قدم وفي الحديث "من سعادة المرء المسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء".
وسئل بعضهم عن الغني فقال : سعة البيوت ودوام القوت ثم إن سعادات الدنيا كلها مذكرة لسعادات الآخرة فالعاقل من لا تغرّه الدنيا الدنية.
وفي "المثنوي" :
افتخار ازرنك وبوو ازمكان
هست شادي وفريب كودكان
هر كجا باشدشه مارا بساط
هست صحرا كربود سم الخياط
هركجا يوسف رحى باشد وماه
جنت است آن ه كه باشد قعرجاه
فجنة العارف هي القلب المطهر ومعرفة الله فيه كما قال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله تعالى في الدنيا جنة من دخلها لم يشتق إلى الجنة قيل : وما هي قال : معرفة الله.
ودادت صورت خوب وصفت هم
بيا تابدهدت اين معرفت هم
٢٠٢
و خوني مشك كردد ازدم اك
بود ممكن كه تن جاني شود اك
﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ﴾ أي : واذكر يوم تنفتح.
وبالفارسية :(بشكافد) كما قال في "تاج المصادر" : التشقق :(شكافته شدن) وأصله تتشقق فحذف إحدى التاءين كما في تلظى.
﴿بِالْغَمَـامِ﴾ هو السحاب يسمى به لكونه ساتراً لضوء الشمس والغم ستر الشيء أي يسبب طلوع الغمام منها وهو الغمام الذي ذكر في قوله تعالى :﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ والملائكة﴾ (البقرة : ٢١٠) قيل : هو غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن إلا لبني إسرائيل.
يعني (ظلة بني إسرائيل بود درتيه).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠١
وقال أبو الليث : الغمام شيء مثل السحاب الأبيض فوق سبع سموات كما روي في الخبر :"دعوة المظلوم ترفع فوق الغمام".