قال الإمام النسفي رحمه الله : الغمام فوق السموات السبع وهو سحاب أبيض غليظ كغلظ السموات السبع ويمسكه الله اليوم بقدرته وثقله أثقل من ثقل السموات فإذا أراد الله أن يشقق السموات ألقى ثقله عليها فانشقت فذلك قوله تعالى :﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَـامِ﴾ أي : بثقل الغمام فيظهر الغمام ويخرج منها وفيه الملائكة كما قال تعالى :﴿وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلا﴾ أي تنزيلاً عجيباً غير معهود قيل : تشقق سماء سماء وتنزل الملائكة خلال ذلك الغمام بصحائف أعمال العباد ـ ـ وروي ـ ـ في الخبر أنه تنشق السماء الدنيا فتنزل الملائكة الدنيا بمثل من في الأرض من الجن والأنس فيقول لهم الخلق : أفيكم ربنا يعنون هل جاء أمر ربنا بالحساب فيقولون لا وسوف يأتي ثم ينزل ملائكة السماء الثانية بمثلي من في الأرض من الملائكة والإنس والجن ثم ينزل ملائكة كل سماء على هذا التضعيف حتى ينزل ملائكة سبع سموات فيظهر الغمام وهو كالسحاب الأبيض فوق سبع سموات ثم ينزل الأمر بالحساب فذلك قوله تعالى :﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ﴾ الآية إلا أنه قد ثبت أن الأرض بالقياس إلى سماء الدنيا كحلقة في فلاة فكيف بالقياس إلى سماء الدنيا فملائكة هذه المواضع بأسرها كيف تسعها الأرض كذا في "حواشي ابن الشيخ".
يقول الفقير : يمد الله الأرض يوم القيامة مد الأديم فتسع مع أن السموات مقبية فكلما زالت واحدة منها ونزلت تتسع الأرض بقدرها فيكفي لملائكتها أطرافها وقد ثبت أن الملائكة أجسام لطيفة رقيقة فلا تتصور بينهم المزاحمة كمزاحمة الناس.
﴿الْمُلْكُ يَوْمَـاـاِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَـانِ﴾ الملك مبتدأ والحق صفته وللرحمن خبره ويومئذٍ ظرف لثبوت الخبر للمبتدأ.
والمعنى أن السلطنة القاهرة والاستيلاء الكلي العام صورة ومعنى بحيث لا زوال له أصلاً ثابت للرحمن يومئذٍ وفائدة التقييد أن ثبوت الملك المذكور له تعالى خاصة يوم القيامة.
و مدعيان زبان دعوى
از ما لكيت در بسته باشند
وأما ما عداه من أيام الدنيا فيكون غيره أيضاً له تصرف صوري في الجملة ﴿وَكَانَ﴾ ذلك اليوم.
﴿يَوْمًا عَلَى الْكَـافِرِينَ عَسِيرًا﴾ أي عسيراً عليهم شديداً لهم.
وبالفارسية :(دشوار ازشدت أهوال) وهو نقيض اليسير وأما على المؤمنين فيكون يسيراً بفضل الله تعالى وقد جاء في الحديث :"إنه يهون يوم القيامة على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا" والحاصل أن الكافرين يرون ذلك اليوم عسيراً عظيماً من دخول النار وحسرة فوات الجنان
٢٠٣
بعدما كانوا في اليسير من نعيم الدنيا وأهل الإيمان والطلب والجد والاجتهاد يرون فيه اليسر من نعيم الجنان ولقاء الرحمن بعد أن كانوا في الدنيا راضين بالعسر تاركين لليسر موقنين أن مع العسر يسراً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠١
وخرج على سهل الصعلوكي من سجن حمام يهودي في طمر أسود من دخانه فقال : ألستم ترون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فقال سهل على البداهة : إذا صرت إلى عذاب الله كانت هذه جنتك وإذا صرت إلى نعيم الله كانت هذه سجني فتعجبوا من كلامه.
وقيل للشبلي رحمه الله : في الدنيا أشغال وفي الآخرة أهوال فمتى النجاة؟ قال : دع أشغالها تأمن من أهوالها فللَّه در قوم فرغوا عن طلب الدنيا وشهواتها ولم يغتروا بها ولم يلتفتوا إليها لأنه قيل :
اين جهان جيفه است ومردار ورخيص
برنين مردار وان باشم حريص
وقيل :(نوشبته اند بر ايوان جنة المأوى كه هركه عشوة دنيا خريد واي بوي).
بل وقلعوا من قلوبهم أصل حب ما سوى الله تعالى ونصبوا نفوسهم لمقاساة شدائد الجهاد إلى أن يصلوا إلى اليسر الذي هو المراد.
وفي الآية إشارة إلى أن أهل الإنكار يلقون يوم القيامة عسراً لأنهم وقعوا في أعراض الأولياء في الدنيا تنفيراً للناس عنهم وصرفاً لوجوه العامة إليهم إرادة اليسر من المال والمعاش والإعانة ونحو ذلك فيجدون في ذلك اليوم كل ملكفلا يملكون لأنفسهم صرفاً ولا نصراً فلا بد من الإقرار وتجديد الإيمان كما ورد "جددوا أيمانكم بقول لا إله إلا الله".
فإن قلت : يفهم منه أن الإيمان يخلق.
قلت : معنى خلاقة الإيمان أن لا يبقى للمؤمن شوق وانجذاب إلى المؤمن به فتكرار الكلمة الطيبة يورث تجديد الميل والانجذاب والمحبة الإلهية فعلى الطالب الصادق أن يكررها في جميع الأحوال حتى لا ينقطع عن الله الملك المتعال.
جدايي مبادا مرا از خدا
دكر هره يش آيدم شايدم
نسأل الله الوقوف عند الأمر إلى حلول الأجل وانتهاء العمر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠١
﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ يوم منصوب باذكر المقدر.
والعض بالأسنان.
وبالفارسية :(كزيدن بدندان) وعض اليدين عبارة عن الندم لما جرى به عادة الناس أن يفعلوه عند ذلك وكذا عض الأنامل وأكل البنان وحرق الأسنان ونحوها كنايات عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفها.


الصفحة التالية
Icon