﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ منصوب بمضمر يدل عليه فدمرناهم، أي ودمرنا قوم نوح.
﴿لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ﴾ أي نوحاً ومن قبله من الرسل كشيث وإدريس أو نوحاً وحده لأن تكذيبه تكذيب للكل لاتفاقهم على التوحيد والإسلام ويقال : إن نوحاً كان يدعو قومه إلى الإيمان به وبالرسل الذين بعده فلما كذبوه فقد كذبوا جميع الرسل كما ثبت أن كل نبي أخذ العهد من قومه أن يؤمنوا بخاتم النبيين إن أدركوا زمانه.
﴿أَغْرَقْنَـاهُمْ﴾ بالطوفان.
والإغراق (غرقه كردن) والغرق الرسوب في الماء أي السفول وهو استئناف مبين لكيفية تدميرهم ﴿وَجَعَلْنَـاهُمْ﴾ أي : إغراقهم وقصتهم.
﴿لِلنَّاسِ ءَايَةً﴾ عظيمة يعتبر بها كل من شاهدها أو سمعها.
وبالفارسية (نشاني وداستاني) وهو مفعول ثان لجعلنا وللناس ظرف لغوله.
﴿وَأَعْتَدْنَا﴾ (وآماده كرديم) أي في الآخرة ﴿لِلظَّـالِمِينَ﴾ أي : لهم أي للمغرقين والإظهار في موقع الإضمار للتسجيل بظلمهم والإيذان بتجاوزهم الحد في الكفر والتكذيب ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾ سوى ما حلّ
٢١١
بهم من عذاب الدنيا ومعنى أليماً وجيعاً.
وبالفارسية :(دردناك).
﴿وَعَادًا﴾ عطف على قوم نوح.
يعني :(هلاك كرديم قوم عادرا بتكذيب هود) ﴿وَثَمُودُ﴾ (وكروه ثمودرا بتكذيب صالح) ﴿وَأَصْحَـابَ الرَّسِّ﴾ الرس البئر وكل ركية لم تطو بالحجارة والآجر فهو رس كما قال في "الكشاف" : الرس البئر الغير المطوية أي المبنية انتهى.
وفي "القاموس" : كالصحاح المطوية بإسقاط غير.
وأصحاب الرس قوم يعبدون الأصنام بعث الله إليهم شعيباً عليه السلام فكذبوه فبينما هم حول الرس أي بئرهم الغير المبنية التي يشربون منها ويسقون مواشيهم إذ انهارت فخسف بهم وبديارهم ومواشيهم وأموالهم فهلكوا جميعاً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١١
وفي "القاموس" : الرس بئر كانت لبقية من ثمود كذبوا نبيهم ورسوه في بئر انتهى أي دسوه وأخفوه فيها فنسبوا إلى فعلهم بنبيهم فالرس مصدر ونبيهم هو حنظلة بن صفوان كان قبل موسى على ما ذكر ابن كثير وحين دسوه فيها غار ماؤها وعطشوا بعد ريهم ويبست أشجارهم وانقطعت ثمارهم بعد أن كان ماؤها يرويهم ويكفي أرضهم جميعاً وتبدلوا بعد الأنس الوحشة وبعد الاجتماع الفرقة لأنهم كانوا ممن يعبد الأصنام وقد كان ابتلاهم الله تعالى بطير عظيم ذي عنق طويل كان فيه من كل لون فكان ينقض على صبيانهم يخطفهم إذا أعوزه الصيد وكان إذا خطف أحداً منهم أغرب به إلى جهة الغرب فقيل له لطول عنقه ولذهابه إلى جهة المغرب : عنقاء مغرب (فروبرنده ونابديد كننده) فيوماً خطف ابنة مراهقة فشكوا ذلك إلى حنظلة النبي عليه السلام وشرطوا إن كفوا شره أن يؤمنوا به فدعا على تلك العنقاء فأرسل الله عليها صاعقة فأحرقتها ولم تعقب أو ذهب الله بها إلى بعض جزائر البحر المحيط تحت خط الاستواء وهي جريرة لا يصل إليها الناس وفيها حيوان كثير كالفيل والكركدن والسباع وجوارح الطير.
قال الكاشفي :(يغمبر دعا فرمودكه خدايا اين مرغ را بكير ونسل بريده كردان دعاي يغمبر بفراجابت رسيده وآن مرغ غائب شد وديكر ازوخبري واثري يدا نشد وجزنام ازو نشان نماند ودريزهاينا يافت بدو مثل زنند كما قيل :
منسوخ شدمروت ومعدوم شد وفا
وزهر دو نام ماند و عنقا وكيميا
(وصاحب لمعات از بي نشاني عشق برين وجه نشان ميدهد).
عشقم كه دردو كون مكانم بديدنيست
عنقاي مغربم كه نشانم بديدنيست
فالعنقاء المغرب بالضم وعنقاء مغرب ومغربة ومغرب بالإضافة طائر معروف الاسم لا الجسم أو طائر عظيم يبعد في طيرانه أو من الألفاظ الدالة على غير معنى كما في "القاموس".
ثم كان جزاؤه منهم أن قتلوه وفعلوا به ما تقدم من الرس.
يقال : وجد حنظلة في بئر بعد دهر طويل يده على شجته فرفعت يده فسال دمه فتركت يده فعادت على الشجة.
وقيل : أصحاب الرس قوم نساؤهم مساحقات ذكر أن الدلهاث ابنة إبليس أتتهن فشهت إلى النساء ذلك وعلمتهن فسلط الله عليهم صاعقة من أول الليل وخسفاً في آخره وصيحة مع الشمس فلم يبق منهم أحد وفي الخبر :"أن من أشراط الساعة أن تستكفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء وذلك السحق" وفي الحديث المرفوع :"سحاق النساء زنى بينهن" وقيل : قوم كذبوا نبياً آتاهم فحبسوه في بئر ضيقة القعر ووضعوا
٢١٢
على رأس البئر صخرة عظيمة لا يقدر على حملها إلا جماعة من الناس وقد كان آمن به من الجميع عبد أسود وكان العبد يأتي الجبل فيحتطب ويحمل على ظهره ويبيع الحزمة ويشتري بثمنها طعاماً ثم يأتي البئر فيلقي إليه الطعام من خروق الصخرة وكان على ذلك سنين ثم أن الله تعالى أهلك القوم وأرسل ملكاً فرفع الحجر وأخرج النبي من البئر وقيل : بل الأسود عالج الصخرة فقواه الله لرفعها وألقى حبلاً إليه واستخرجه من البئر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١١