﴿فَلا تُطِعِ الْكَـافِرِينَ﴾ فيما ندبوك إليه من عبادة الآلهة واتباع دين الآباء وأغلظ عليهم ولا تداهنهم وأثبت على الدعوة وإظهار الحق ﴿وَجَـاهِدْهُم﴾ (وجهاد كن با ايشان وباز كوش) والجهاد والمجاهدة استغراق الوسع في مدافعة العدو ﴿بِهِ﴾ أي بالقرآن بتلاوة ما في تضاعيفه من المواعظ وتذكير أحوال الأمم المكذبة ﴿جِهَادًا كَبِيرًا﴾ عظيماً تاماً شديداً لا يخالطه فتور فإن مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف وإنما لم يحمل المجاهدة على القتال بالسيف لأنه إنما ورد الإذن بعد الهجرة بزمان والسورة مكية.
قال الإمام الراغب : المجاهدة تكون باللسان واليد وفي الحديث :"جاهدوا الكفار بأيديكم وألسنتكم" وفي حديث آخر :"جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" قوله : وألسنتكم أي أسمعوهم ما يكرهونه ويشق عليهم سماعه من هجو وكلام غليظ ونحو ذلك كما في "مشارع الأشواق".
يقول الفقير : ويجوز أن يكون الجهاد بالألسنة بترك المداهنة في حقهم وإغراء الناس على دفع فسادهم كما أن الجهاد بالأموال بالدفع إلى من يحاربهم ويستأصلهم.
ثم الإشارة بلفظ المشركين إلى أهل الرياء والبدع فإشارة الخطاب في جاهدوا أيضاً إلى أصحاب الإخلاص والسنة فإنه لا بد لأهل الحق من جهاد أهل البطلان في كل زمان خصوصاً عند غلبة الخوف فإنه أفضل الجهاد كما قال عليه السلام :"أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" وإنما كان أفضل الجهاد لأن من جاهد العدو كان متردداً بين رجاء وخوف ولا يدري هل يغلب أو يغلب وصاحب السلطان مقهور في يده فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل غلبة الخوف كذا في "أبكار الأفكار" للسمرقندي.
ثم الإشارة في الآية إلى النفس وصفاتها فلا تطعهم وجاهدهم بسيف الصدق على قانون القرآن في مخالفة الهوى وترك الشهوات
٢٢٧
وقطع التعلقات جهاداً كبيراً لا تواسيهم بالرخص وتعاندهم بالعزائم قائماً بحق الله من غير جنوح إلى غيره أو مبالاة بما سواه.
وفي "المثنوي" :
أي شهان كشتيم ما خصم برون
ماند خصمي زان بتر دراندرون
كشتن اين كار عقل وهو ش نيست
شير باطن سخرة خركوش نيست
دوزخست اين نفس ودوزخ ازدهاست
كوبدرياها نكردد كم وكاست
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٢
هفت دريارا درآشامد هنوز
كم نكردد سوزش آن خلق سوز
قوت ازحق خواهم وتوفيق ولاف
تابسوزن بركنم اين كوه قاف
سهل شيري دانكه صفها بشكند
شير آنست آنكه خودرا بشكند
اللهم سلمنا من آفات العدو مطلقاً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٢
﴿وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ من مرج الدابة خلاها وأرسلها ترعى ومرج أمرهم اختلط والبحر الماء الكثير عذباً كان أو ملحاً عند الأكثر وأصله المكان الواسع الجامع للماء الكثير كما في "المفردات".
والمعنى خلاهما وأرسلهما في مجاريهما كما يرسل الخيل في المرج متلاصقين بحيث لا يتمازجان ولا يلتبس أحدهما بالآخر ويدل على بعد كل منهما عن الآخر مع شدة التقارب بينهما الإشارة إلى كل منهما بأداة القرب كما يجيء ويجوز أن يكون محمولاً على المقيد وهو قوله تعالى :﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾ (الرحمن : ١٩) ﴿هَـاذَا عَذْبٌ﴾ حال بتقدير القول أي مقولاً في حقهما هذا عذب أي طيب.
وبالفارسية (اين يك اب شيرين) ﴿فُرَاتٌ﴾ قاطع للعطش لغاية عذوبته صفة عذب والتاء أصلية.
قال الطيبي : سمي بالفرات لأنه يرفت العطش أي يكسره على القلب يعني يكفي في اعتبار معنى الكسر اشتقاق الفرات منه بالاشتقاق الكبير كجبذ من الجذب ومنه سمي الفرات نهر الكوفة وهو نهر عظيم عذب طيب مخرجه من أرمينية وفي الملكوت أصله في قرية من قرى جابلقا ينحدر إلى الكوفة وآخر مصبه بعضاً في دجلة وبعضاً في بحر فارس ﴿وَهَـاذَا مِلْحٌ﴾ (وان ديكرشور).


الصفحة التالية
Icon