عليه السلام فوضعتها في حجره فقبض منها قبضة فقال :"أي بلال ابتع بها طيباً" ولما أراد أن يعقد خطب خطبة منها :"الحمدالمحمود بنعمته المعبود بوحدته الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بحكمته ثم إن الله تعالى جعل المصاهرة نسباً وصهراً وكان ربك قديراً ثم إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي على أربعمائة مثقال فضة أرضيت يا علي" قال : رضيت بعد أن خطب علي أيضاً خطبة منها :"الحمدشكراً لأنعمه وأياديه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغه وترضيه" ولما تم العقد دعا عليه السلام بطبق بسر فوضعه بين يديه ثم قال للحاضرين انتهبوا وليلة بنى بها قال عليه السلام لعلي :"لا تحدث شيئاً حتى تلقاني" فجاءت بها أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وعلي في جانب آخر وجاء رسول الله فقال لفاطمة :"ائتني بماء" فقامت تعثر في ثوبها من الحياء فأتته بقعب فيه ماء فاخذه رسول الله ومج فيه ثم قال لها :"تقدمي" وتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال : اللهم إني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" ثم قال :"ائتوني بماء" فقال علي رضي الله عنه : فعلمت الذي يريد فقمت وملأت القعب فأتيت به فأخذه فمج فيه وصنع بي كما صنع بفاطمة ودعا لي بما دعا لها به ثم قال :"اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شملهما" أي الجماع وتلا قوله تعالى :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الإخلاص : ١) والمعوذتين ثم قال :"ادخل بأهلك باسم الله والبركة" وكان فراشها إهاب كبش أي جلده وكان لهما قطيفة إذا جعلاها بالطول انكشفت ظهورهما وإذا جعلاها بالعرض انكشفت رؤوسهما وقالت له في بعض الأيام : يا رسول الله ما لنا فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار فقال لها عليه السلام :"يا بنية اصبري فإن موسى بن عمران عليه السلام أقام مع امرأته عشر سنين ليس لهما فراش إلا عباءة قطوانية" وهي نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٨
وفاطمة ولدتها خديجة رضي الله عنها قبل النبوة بخمس سنين ماتت بالمدينة بعد موت النبي عليه السلام بستة أشهر ولها ثمان وعشرون سنة ومناقبها كثيرة معروفة رضي الله عنها وعن أولادها واستشهد علي رضي الله عنه بالكوفة وهو ابن ثلاث وستين سنة وصلى عليه الحسن ودفن ليلاً وغيب قبره بوصية منه وكان مخفياً في زمن بني أمية وصدراً من خلافة بني العباس حتى دل عليه الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه قال عليه السلام لعلي رضي الله عنه :"يهلك فيك رجلان محب مطر وكذاب مفتر" كما في "إنسان العيون".
وفي "التأويلات النجمية" : الإشارة في الآية إلى أن الإنسان خلق مركباً من جنسين مختلفين صورته من عالم الخلق وروحه من عالم الأمر فجعل له نسباً وصهراً فنسبه إلى روحه وانتساب الروح إلى الله وإلى رسوله وانتسابه إلى الله بقوله :﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى﴾ (ص : ٧٢) وإلى رسوله بقوله عليه السلام :"أنا من الله والمؤمنون مني" فجعل الله خواص عباده من أهل هذا النسب وصهره بشريته التي خلقت من الماء كما قال تعالى :﴿إِنِّى خَـالِقُا بَشَرًا مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُه وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى﴾ (ص : ٧١، ٧٢) جمع بين الأمرين فجعل الله عوام خلقه من أهل هذا الصهر فالغالب عليهم خواص البشر وهي الحرص والشهوة والهوى والغضب فيها يرد إلى الوركات السفلية والغالب على أهل النسب خواص الروحانية وهي الشوق
٢٣٢
والمحبة والطلب والحلم والكرم وبها يجذب إلى الدرجات العلية وكان ربك قديراً على جعل الفريقين من أهل الطريقين انتهى.
قال المولى الجامي قدس سره :
قرب تو باسباب وعلل نتوان يافت
به سابقة فضل أزل نتوان يافت
والله المرجو في كل مسؤول.
﴿وَيَعْبُدُونَ﴾ أي المشركون حال كونهم ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ متجاوزين عبادة الله تعالى ﴿مَا لا يَنفَعُهُمْ﴾ إن عبدوه مفعول يعبدون.
والنفع ما يستعان به في الوصول إلى الخيرات وما يتوصل به إلى الخير فهو خير والنفع الخير وضده الضر ﴿وَلا يَضُرُّهُمْ﴾ إن لم يعبدوه وما ليس من شأنه النفع والضر أصلاً وهو الأصنام وما في حكمها من المخلوقات إذ ما من مخلوق يستقل بالنفع والضر فلا فائدة في عبادته والاعتماد عليه واتباعه ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ﴾ بشركه وعداوته للحق ﴿عَلَى رَبِّهِ﴾ الذي رباه بنعمته متعلق بقوله ﴿ظَهِيرًا﴾ عوناً للشيطان فالظهير بمعنى المظاهر أي المعين و المراد بالكافر الجنس أو أبو جهل فإنه أعان الشيطان على الرحمن في إظهار المعاصي والإصرار على عداوة الرسول وتشجيع الناس على محاربته ونحوها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٨
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ﴾ في حال من الأحوال ﴿إِلا﴾ حال كونك ﴿مُبَشِّرًا﴾ للمؤمنين بالجنة والرحمة.
والتبشير إخبار فيه سرور ﴿وَنَذِيرًا﴾ منذراً للكافرين بالنار والغضب.
والإنذار إخبار فيه تخويف.


الصفحة التالية
Icon