﴿قُلْ﴾ لهم ﴿قُلْ مَآ أَسْـاَلكُمْ﴾ أي على تبليغ الرسالة التي ينبىء عنها الإرسال ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ من جهتكم فتقولوا أنه يطلب أموالنا بما يدعونا إليه فلا نتبعه.
والأجر ما يعود من ثواب العمل دنيوياً كان أو أخروياً ﴿إِلا مَن شَآءَ﴾ إلا من فعل من يريد.
﴿أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّه سَبِيلا﴾ أن يتقرب إليه ويطلب الزلفى عنده بالإيمان والطاعة حسبما أدعوكم إليه يعني إن أعطيتم إياي أجراً فأعطوني ذلك الفعل فإني لا أسأل غيره.
وبالفارسية :(مزد من إيمان وطاعت مؤمناً نست زيراً كه مرا من عند الله أجرى مقر راست وثابت شده كه هريغمبرى را برا بر عباد وصلحاى امت أو ثواب خواهد بود) والظاهر أن الاستثناء منقطع.
والمعنى لا أطلب من أموالكم جعلاً لنفسي لكن من شاء إنفاقه لوجه الله فليفعل فإني لا امنعه عنه.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿إِلا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ﴾ بما يتوسل به إلى من خدمة أو إنفاق أو تعظيم ﴿إِلَى رَبِّهِ﴾ قربة منزلة ولهذا قال المشايخ يصل المريد بالطاعة إلى الجنة وبالتعظيم وإجلال الشيوخ إلى الله تعالى.
وفي "الفتوحات المكية" : مذهبنا أن للواعظ أخذ الأجرة على وعظ الناس وهو من أحل ما يأكل وإن كان ترك ذلك أفضل وإيضاح ذلك أن مقام الدعوة إلى الله يقتضي الإجارة فإن ما من نبي دعا إلى الله إلا قال : إن أجري إلا على الله فأثبت الأجر على الدعاء ولكن اختار أن يأخذه من الله لا من المخلوق انتهى.
وأفتى المتأخرون بصحة الأجرة للأذان والإقامة والتذكير والتدريس والحج والغزو وتعليم القرآن والفقه وقراءتهما لفتور الرغبات اليوم ولو كانت الأجرة على أمر واجب كما إذا كان المعلم والإمام والمفتي واحداً فإنها لم تصح إجماعاً كما في "الكرماني" وغيره وكذا إذا كان الغسال في القرية واحداً فإنه يتعين له غسل الميت ولا يجوز له طلب الأجرة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٣
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لا يَمُوتُ﴾ في الاستكفاء عن شروروهم والإغناء عن أجورهم فإنه
٢٣٣
الحقيق بأن يتوكل عليه دون الأحياء الذين شأنهم الموت فإنهم إذا ماتوا ضاع من توكل عليهم وأصل التوكل أن يعلم العبد بأن الحادثات كلها صادرة من الله ولا يقدر أحد على الإيجاد غيره فيفوض أمره إلى الله فيما يحتاج إليه وهذا القدر فرض وهو من شرط الإيمان قال تعالى :﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (المائدة : ٢٣) وما زاد على هذا القدر من سكون القلب وزوال الانزعاج والاضطراب فهي أحوال تلحق بالتوكل على وجه الكمال كذا في "التأويلات النجمية".
قال الواسطي : من توكل على الله لعلة غير الله فلم يتوكل على الله بل توكل على غير الله.
وسئل ابن سالم : أنحن مستنون بالكسب أو التوكل؟ فقال ابن سالم : التوكل حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإنما استن الكسب لضعف حالهم حين أسقطوا عن درجة التوكل الذي هو حاله فلما سقطوا عنه لم يسقطهم عن درجة طلب المعاش بالمكاسب التي هي سنة ولولا ذلك لهلكوا.
يقال : عوام المتوكلين إذا أعطوا شكروا وإذا منعوا صبروا.
وخواصهم إذا أعطوا آثروا وإذا منعوا شكروا.
ويقال : الحق يجود على الأولياء إذا توكلوا بتيسير السبب من حيث يحتسبون ولا يحتسبون.
ويجود على الأصفياء بسقوط الأرب وإذا لم يكن أرب فمتى يكون طلب.
ويقال : التوكل أن يكون مثل الطفل لا يعرف شيئاً يأوي إليه إلا ثدي أمه كذلك المتوكل يجب أن لا يرى لنفسه مأوى إلا الله تعالى.
وفي "المثنوي" :
نيست كسبي از توكل خوبتر
يست از تسليم خود محبوبتي
طفل تاكيرا وتاوديانبود
مر كبش جز كردن بابا نبود
ون فضولي كشت ودست وانمود
درعنا افتاد ودز كور وكبود
ما عيال حضريتم وشير خواه
كفت "الخلق عيال للآله"
آنكه أو از آسمان باران دهد
هم تواند كو زرحمت نان دهد
﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ أي نزه تعالى عن صفات النقصان وعن كل ما يرد على الوهم والخيال حال كونك مثنياً عليه بنعوت الكمال طالباً لمزيد الإنعام بالشكر على سوابقه وفي الحديث :"من قال كل يوم : سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" كما "فتح الرحمن" ﴿وَكَفَى بِهِ﴾ الباء زائدة للتأكيد أي حسبك الحي الذي لا يموت وقوله ﴿بِذُنُوبِ عِبَادِهِ﴾ ما ظهر منها وما بطن متعلق بقوله :﴿خَبِيرًا﴾ مطلقاً فيجزيهم جزاء وافياً فلا يحتاج معه إلى غيره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٣


الصفحة التالية
Icon