قال الراغب : السراج الزاهر بفتيلة ويعبر به عن كل شيء مضيء والمراد به ههنا الشمس لقوله تعالى :﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ (نوح : ١٦) شبهت الشمس والكواكب الكبار بالسراج والمصابيح كما في قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَـابِيحَ﴾ (الملك : ٥) في الإنارة والإشراق ﴿وَقَمَرًا﴾ بالفارسية (ماه) والهلال بعد ثلاث قمر سمي قمراً لبياضه كما في "المختار" أو لابيضاض الأرض به والأقمر الأبيض كما في "كشف الأسرار" ﴿مُّنِيرًا﴾ مضيئاً بالليل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٦
قال في "كشف الأسرار" :(كفته اند مراد ازين آسمان آسمان قر آنست كه جملة أهل إيمان در ظل بيان وي اند هر سورتي ازان ون برجى آنجا در عالم صور سبع مباني است وانيجا در عالم سور سبع مثاني نانكه درشب هركه شم برستاره داردراه زمين وى كم نشود هركه اندرشب فتنه ازبيم شك وشبهه شم دل برستارة آيت قرآن داردراه دينش كم نشود).
قال في "نفائس المجالس" : في الآية دلالة على كمال قدرته فإن هذه الأجرام العظام والنيرات من آثار قدرته.
واعلم أن الله تعالى جعل في سماء نفسك بروج حواسك وجعل فيها سراج روحك وقمر قلبك منيراً بأنوار الروحانية فعليك بالاجتهاد في تنوير وجودك وتخليص قلبك من الظلمات النفسانية لتستعد لأنوار التجليات وتتخلص من ظلمة السوى فتصل إلى المطلب الأعلى فيحصل لك البقاء بعد الفناء فتجد بعد الفقر كمال الغنى فتشاهد كمال قدرة الملك القادر هنا.
وفي "عرائس القرآن" بروج السماء مجرى الشمس والقمر وهي الحمل والنور إلخ.
وفي القلب بروج وهي برج الإيمان وبرج المعرفة وبرج العقل وبرج اليقين وبرج الإسلام وبرج الإحسان وبرج التوكل وبرج الخوف وبرج الرجاء وبرج المحبة وبرج الشوق وبرج الوله فهذه اثنا عشر برجاً بها دوام صلاح القلب كما أن الاثني عشر برجاً من الحمل إلخ
٢٣٧
بها صلاح الدار الفانية وأهلها وفي السماء سراج الشمس ونور القمر وفي القلب سراج الإيمان والإقرار وقمر المعرفة يتلألأ نور إيمانه ومعرفته على لسانه بالذكر وعلى عينيه بالعبرة وعلى جوارحه بالطاعة والخدمة.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى سماء القلوب وبروج المنازل والمقامات وهي اثنا عشر منزلاً التوبة والزهد والخوف والرجاء والتوكل والصبر والشكر واليقين والإخلاص والتسليم والتفويض والرضى وهي منازل سيارات الأحوال فيها شمس التجلي وقمر المشاهدة وزهرة الشوق ومشتري المحبة وعطارد الكشوف ومريخ الفناء وزحل البقاء انتهى.
هركه خواهد بجان سير بروج
آسمانرا كند و عيسى عروج
آسما نرا طريق معراجست
دل بمعراج فلك محتاجست
ون كذر ميكند زبرج فنا
يا بد آخر تجليات بقا
اين تجلى زسوى عرشي نه
اين تسلي زسمت فرشي نه
اين تجلىء خالق الأبراج
بسراجش نديده شم سراج
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٦
﴿وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ﴾ بحكمته التامة ﴿وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ﴾ الخلفة مصدر للنوع فلا يصلح أن يكون مفعولاً ثانياً لجعل ولا حالاً من مفعوله فلا بد من تقدير المضاف ويستعمل بمعنى كان خليفته أو بمعنى جاه بعده فالمعنى على الأول جعلهما ذوي خلفة يخلف كل واحد منهما الآخر بأن يقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه فمن فرط في عمل أحدهما قضاه في الآخر فيكون توسعة على العباد في نوافل العبادات والطاعات ويؤيده ما قال عليه السلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد فاتته قراءة القرآن بالليل :"يا ابن الخطاب لقد انزل الله تعالى فيك آية وهو الذي إلخ ما فاتك من النوافل بالليل فاقضه في نهارك وما فاتك في النهار فاقضه في الليل" وعلى الثاني جعلهما ذوي اعتقاب يجيء الليل ويذهب النهار ويجيء النهار ويذهب الليل ولم يجعل نهاراً لا ليل له وليلاً لا نهار له ليعلم الناس عدد السنين والحساب وليكون للانتشار في المعاش وقت معلوم وللاستقرار والاستراحة وقت معلوم.
ففي الآية تذكير لنعمته وتنبيه على كمال حكمته وقدرته.
﴿لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ﴾ أن يتذكر آلاء الله ويتفكر في صنعه فيعلم أن لا بد له من صانع حكيم واجب بالذات رحيم على العباد فالمراد بمن هو الكافر ثم أشار إلى المؤمن بقوله :﴿أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ بضم الشين مصدر بمعنى الشكر أي أن يشكر الله بطاعته على ما فيها من النعم فتكون أو على حالها ويجوز أن تكون بمعنى الواو فالمعنى جعلناهما خلفة ليكونا وقتين للذاكرين والشاكرين من فاته ورده في أحدهما تداركه في الآخر ووجه التعبير بأو التنبيه على استقلال كل واحد منهما بكونه مطلوباً من الجعل المذكور ولو عطف بالواو لتوهم أن المطلوب مجموع الأمرين.


الصفحة التالية
Icon