قال الإمام الراغب : الشكر تصور النعمة وإظهارها قيل : هو مقلوب عن الكشر أي الكشف ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها وقيل : أصله من عين شكرى أي ممتلئة والشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه والشكر على ثلاثة أضرب شكر بالقلب وهو تصور النعمة وشكر باللسان وهو الثناء على النعمة وشكر بسائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها.
٢٣٨
عطايست هرموى ازوبرتنم
ه كونه بهر موى شكرى كنم
اعلم أن الآية الكريمة إشارة إلى أن ورد النفل لا يقضى إذا فات لكن على طريق الاستحباب لا على طريق الوجوب وذلك أن دوام الورد سبب لدوام الوارد ودوام الوارد سبب للوصلة ألا ترى أن النهر إنما يصل إلى البحر بسبب إمداد الأمطار والثلوج التي في الجبال فلو انقطع المدد فقد المرام كما قال الصائب :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٦
از زاهدان خشك رسايي طمع مدار
سيل ضعيف واصل دريا نميشود
ولذا أكب العباد والسلاك على الأوراد في الليل والنهار وجعلوها على أنفسهم بمنزلة الواجبات ولذا لو فات عنهم ورد الليل قضوه في النهار ولو فات عنهم ورد النهار قضوه في الليل يعني أتوا ببدله مما كان مثلاً له حتى لا ينقطعوا دون السبيل فمن عرف الطريق إلى الله لا يرجع أبداً ولو رجع عذب في الدارين بما لم يعذب به أحد من العالمين فعليك بالورد صباحاً ومساء فإنه من ديدن السلف الصالحين وإياك والغفلة عنه فإنها من دأب من بال على أذنه الشيطان من الفاسقين.
وعن الشيخ أبي بكر الضرير رضي الله عنه قال : كان في جواري شاب حسن الوجه يصوم بالنهار ولا يفطر ويقوم الليل ولا ينام فجاءني يوماً وقال : يا أستاذ إني نمت عن وردى الليل فرأيت كأن محرابي قد انشق وكأني بجوار قد خرجن من المحراب لم أر أحسن وجهاً منهن وإذا واحدة فيهن شوهاء أي قبيحة لم أر أقبح منها منظراً فقلت : لمن أنتن ولمن هذه؟ فقلن : نحن لياليك التي مضين وهذه ليلة نومك فلو مت في ليلتك هذه لكانت هذه حظك ثم أنشأت الشوهاء تقول :
اسأل لمولاك وارددني إلى حالي
فأنت قبحتني من بين أشكالي
لا ترقدّن الليالي ما حييت فإن
نمت الليالي فهن الدهر أمثالي
فأجابتها جارية من الحسان :
نحن الليالي اللواتي كنت تسهرها
تتلو القرآن بترجيع ورنات
نحن الحسان اللواتي كنت تخطبنا
جوف الظلام بأنات وزفرات
قال : ثم شهق شهقة خر ميتاً ذكره الإمام اليافعي في "روض الرياحين".
وروي : أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا عليهما السلام فرأى عليه معاليق من كل شيء فقال يحيى : يا إبليس ما هذه المعاليق التي أرى عليك قال هذه الشهوات التي أصيب بهن ابن آدم قال : فهل لي فيها من شيء قال : ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة والذكر قال يحيى : هل غير ذلك قال : لا والله قال : الله عليّ أن لا املأ بطني من طعام أبداً قال إبليس : ولله على أن لا أنصح مسلماً أبداً كذا في "آكام المرجان".
واحتضر عابد فقال : ما تأسفي علي دار أحزان والخطايا والذنوب وإنما تأسفي على ليلة نمتها ويوم أفطرته وساعة غفلت فيها عن ذكر الله فمن وجد الفرصة فليسارع وبقية العمر ليس لها ثمن.
أي كه ناه رفت ودر خوابى
مكر اين نج روز دريابى
خواب نوشين بامداد رحيل
باز دارد ياده را زسبيل
(كفته اند ايزد تعالى فلك را آفريد ومدت دوروى دو قسم كردانيد يك قسم ازان شب ديجور نهادكه اندران وقت روى زمين بسان قيرشود وقسم ديكر روز بانور نهادكه روى زمين بسان كافور شود ازروى اشارب ميكويد أي كساني اندر روشنايى روز دولت
٢٣٩
آرام داريد ايمن مباشيد كه شب محنت بر اثرست واى كساني كه اندر تاريكي شب محنت بي آرام بوده آيد نوميد مباشيدكه روشنايى روز دولت براثرست).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٦
أي دل صبور باش ومخور غم كه عاقبت
اين شام صبح كرددواين شب سحر شود
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من أهل اليقظة والشهود الواصلين إلى مطالعة الجمال في كل مشهود ونعوذ به من البقاء في ظلمة الوجود والحرمان من فيض الجود إنه رحيم ودود.


الصفحة التالية
Icon