﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَـانِ﴾ دون عباد الدنيا والشيطان والنفس والهوى فإنهم وإن كانوا عباداً بالإيجاد لكنهم ليسوا بأهل لإضافة التشريف والتفضيل من حيث عدم اتصافهم بالصفات الآتية التي هي آثار رحمته تعالى الخاصة المفاضة على خواص العباد.
والمعنى عباده المقبولون وهو مبتدأ خبره قوله :﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ﴾ المشي الانتقال من مكان إلى مكان بإرادة ﴿عَلَى الأرْضِ﴾ التي هي غاية في الطمأنينة والسكون والتحمل حال كونهم ﴿هَوْنًا﴾ هو السكينة والوقار كما في "القاموس" وتذلل الإنسان في نفسه بما لا يلحق به غضاضة كما في "المفردات" وهين لين وقد يخففان ساكن متئد ملائم رقيق أي هينين لينى الجانب من غير فظاظة أو يمشون مشياً هيناً مصدر وصف به.
والمعنى أنهم يمشون بسكينة وتواضع لا بفخر وفرح ورياء وتجبر وذلك لما طالعوا من عظمة الحق وهيبته وشاهدوا من كبريائه وجلاله فخشعت لذلك ارواحهم وخضعت نفوسهم وأبدانهم وفي الحديث :"المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف إن قيد انقاد وإن أنيخ على صخرة استناخ" وفي "الصحاح" أنف البعير اشتكى أنفه من البرة فهو أنف ككتف، وفي الحديث :"المؤمن كالجمل إن قيد انقاد وإن استنيخ على صخرة استناخ" وذلك للوجع الذي به فهو ذلول منقاد.
قوله قيد مجهول قاد والقود نقيض السوق فهو من إمام وذلك من خلف.
والانقياد (كشيده شدن وكردن نهادن) يقال : أنخت الجمل فاستناخ أي أبركته فبرك.
قال الشيخ سعدي :
فروتن بود هو شمند كزين
نهد شاخ رميوه سر بر زمين
وسيل اندر آمد بهول ونهيب
فتاد ازبلندى بسر درنشيب
وشبنم بيفتاد مسكين وخرد
بمهر آسمانش بعيوق برد
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَـاهِلُونَ﴾ الجهل خلو النفس من العلم واعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه وفعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقاداً صحيحاً أو فاسداً كما يترك الصلاة عمداً وعلى ذلك قوله :﴿قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَـاهِلِينَ﴾ (البقرة : ٦٧) فجعل فعل الهزؤ جهلاً.
والمعنى وإذا كلمهم السفهاء مواجهة بالكلام القبيح.
﴿قَالُوا سَلَـامًا﴾ أي نطلب منكم السلامة فيكون منصوباً باضمار فعل كما في "المفردات" أو إنا سلمنا من إثمكم وأنتم سلمتم من شرنا كما في "إحياء العلوم".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٦
وقال بعضهم : سلاماً مصدر فعل محذوف أقيم مقام التسلم أي قالوا : نتسلم منكم تسلماً أي لا نجاهلكم.
والمجاهلة (باكسى سفاهت كردن) ولا تخالط بشيء من أموركم وهو الجهل وما يبتنى على خفة العقل فلا خير بيننا وبينكم ولا شر بل متاركة.
بالفارسية (جفاى يكديكر بكذاشتن) وأكثر المفسرين على أن السلام ليس عين عبارتهم بل صفة المصدر
٢٤٠
محذوف.
والمعنى قالوا قولاً سلاماً أي سداداً يسلمون فيه من الأذى والإثم (مراد ترك تعرض سفهاست واعراض ازمكالمه ومجادلة ايشان) كما قال المحقق الرومي :
اكر كويند زراقى وسالوس
بكوهستم دوصد ندان وميرو
وكر ازخشم دشنامى دهندت
دعا كن خوش دل وخندان وميرو
قال الشيخ سعدي قدس سره :
يكى بربطى دربغل داشت مست
بشب درسر ارسايى شكست
و روز آمد آن نيك مرد سليم
بر سنك دل بر يك مشت سيم
كه دوشينه معذور بودى ومست
ترا ومرا بربط وسر شكست
مرا به شد آن زخم وبرخاست بم
ترا به نخواهد شد الإبسيم
اذان دوستان خدا بر سرند
كه از خلق بسيار بر خرخورند
ثم إن قوله :(وإذا) بيان لحالهم في المعاملة مع غيرهم أثر بيان حالهم في أنفسهم.
وهذه الآية محكمة عند أكثرهم لأن الحلم عن السفيه مندوب إليه والإغضاء عن الجاهل أمر مستحسن في الأدب والمروءة والشريعة وأسلم للعرض وأوفق للورع وفي الحديث :"إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادى منادٍ أين أهل الفضل؟ فيقوم ناس وهم يسير فينطلقون سراعاً إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون : إنا نراكم سراعاً إلى الجنة فيقولون : نحن أهل الفضل فيقولون : ما كان فضلكم؟ فيقولون : كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيء إلينا غفرنا وإذا جهل علينا حملنا فيقال لهم : ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين" وفي الحديث :"رأيت قوماً من أمتي ما خلقوا بعد وسيكونون فيما بعد اليوم أحبهم ويحبونني يتناصحون ويتباذلون ويمشون بنور الله في الناس رويداً في خفية وتقية يسلمون من الناس ويسلم الناس منهم بصبرهم وحلمهم قلوبهم بذكر الله تطمئن ومساجدهم بصلاتهم يعمرون يرحمون صغيرهم ويجلون كبيرهم ويتواسون بينهم يعود غنيهم على فقيرهم يعودون مرضاهم ويتبعون جنائزهم" فقال رجل من القوم : في ذلك يرفقون فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال :"كلا إنه لا رفيق لهم هم خدام أنفسهم هم أكرم على الله من أن يوسع عليهم لهوان الدنيا عند ربهم ثم تلا عليه السلام وعباد الرحمن" الآية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٦


الصفحة التالية
Icon