﴿إِلا مَن تَابَ﴾ من الشرك والقتل والزنى ﴿وَءَامَنَ﴾ وصدق بوحدانية الله تعالى.
﴿وَعَمِلَ عَمَلا صَـالِحًا﴾ (وبكند كردارشايسته براى تكميل إيمان) ذكر الموصوف مع جريان الصالح والصالحات مجرى الاسم للاعتناء به والتنصيص على مغايرته للأعمال السابقة والاستثناء لأنه من الجنس لأن المقصود الإخبار بأن من فعل ذلك فإنه يحل به ما ذكر إلا أن يتوب.
وأما إصابة أصل العذاب وعدمها فلا تعرض لها في الآية.
فأولئك الموصوفون بالتوبة والإيمان والعمل الصالح.
وبالفارسية (س آن كروه) ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِهِمْ﴾ التي عملوها في الدنيا في الإسلام ﴿حَسَنَـاتٍ﴾ يوم القيامة وذلك بأن يثبت له بدل كل سيئة حسنة وبدل كل عقاب ثواباً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٦
قال الراغب : التبديل جعل الشيء مكان آخر وهو أعم من العوض فإن العوض هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الأول والتبديل يقال للتغيير وإن لم تأت ببدله.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال عليه السلام :"يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ويخبأ عنه كبارها فيقال : عملت يوم كذا كذا وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من الكبائر فيقال : أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة فيقول : إن لي ذنوباً ما أراها ههنا، قال : فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يضحك حتى بدت نواجذه" ثم تلا فأولئك إلخ.
قال الزجاج : ليس أن السيئة بعينها تصير حسنة ولكن التأويل أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة انتهى.
قال المولى الجامي ﴿فأولئك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِهِمْ حَسَنَـاتٍ﴾ يعني في الحكم فإن الأعيان نفسها لا تتبدل ولكن تنقلب أحكامها انتهى كلامه في "شرح الفصوص".
وقال حضرة الشيخ صدر الدين القنوي قدس سره في "شرح الأربعين حديثاً" "الطاعات كلها مطهرات" فتارة بطريق المحو المشار إليه بقوله تعالى :﴿إِنَّ الْحَسَنَـاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّـاَاتِ﴾ وبقوله عليه السلام :"أتبع الحسنة تمحها" وتارة بطريق التبديل المشار إليه بقوله :﴿إِلا مَن تَابَ وَءَامَنَ﴾ إلخ فالمحو المذكور
٢٤٧
عبارة عن حقيقة العفو والتبديل من مقام المغفرة وإن تنبهت لما أشرت إليه عرفت الفرق بين العفو والمغفرة انتهى كلامه.
وفي "التأويلات النجمية" ﴿إِلا مَن تَابَ﴾ عن عبادة الدنيا وهوى النفس ﴿وَءَامَنَ﴾ بكرامات وكمالات اعدها الله لعباده الصالحين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ﴿وَعَمِلَ عَمَلا صَـالِحًا﴾ لتبليغه إلى تلك الكمالات وهو الإعراض عما سوى الله بجملته والإقبال على الله بكليته رجاء عواطف إحسانه كما قيل لبعضهم : كلي بكلك مشغول فقال : كلي لكلك مبذول ولعمري هذا هو الإكسير الأعظم الذي إن طرح ذرة منه على قدر الأرض من نحاس السيئات تبدلها إبريز الحسنات الخالصة كما قال تعالى إخباراً عن أهل هذا الإكسير.
﴿فأولئك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِهِمْ حَسَنَـاتٍ﴾ كما يبدل الإكسير النحاس ذهباً انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٦
يقول الفقير : لا شك عند أهل الله تعالى في انقلاب الأعيان واستحالتها ألا ترى إلى انحلال مزاج المادة الأصلية إلى غيرها في العالم الصناعي فإذا انحل المزاج واستحالت المادة إلى الصورة الهيولانية صلحت لأن يولد الحكيم منها إنسان الفلاسفة.
قال الإمام الجلدكي : الأرض تستحيل ماء والماء يستحيل هواء والهواء يستحيل ناراً وبالعكس النار تستحيل هواء والهواء ماء والماء يستحيل أرضاً والعناصر يستحيل بعضها إلى بعض مع أن كل عنصر من العناصر ممتزج من طبيعتين فاعلة ومنفعلة فهذا برهان واضح على انحلال المزاج إلى غيره في الأصول.
وأما في "الفصول" فإن الأرض تستحيل نباتاً والنبات يستحيل حيواناً فوقف الفاضل ابن سينا وقال : إن الحيوان لا يستحيل اللهم إلا أن يفسد إلى عناصره ويرجع إلى طبائعه فنقول : إن الأرض والماء إذا لم يفسدا في الصورة عن كيانهما لما استحالا نباتاً والنبات إذا لم يفسد عن كيانه لما استحال حيواناً فكيف خفي عليه أن النبات والحيوان يفسدان بالطبخ ويصيران للإنسان غذاء وينحل مزاجهما إلى الكيموس الغذائي ويصيران في جوف الإنسان دماً ويستحيل الدم بالحركة الشوقية بين الذكر والأنثى فيصير منياً ثم جنيناً ثم إنساناً وكذلك جسد الإنسان بعد فساده يمكن أن يصير نباتاً ويستحيل إلى حيوانات شتى مثل الديدان وغيرها ويستحيل الجميع حتى العظام الرفات إلى أن تقبل التكوين إذا شربت ماء الحياة وإنما الأجزاء الجسدانية للإنسان محفوظة معلومة عند الله وإن استحالت من صفة إلى صفة وتبدلت من حالة إلى حالة وانحل مزاج كل منها إلى غيره إلا أن روحه وعقله ونفسه وذاته الباطنة باقية في برزخها.
قال الحافظ :
دست ازسمس وجود رمردان ره بشوى
تا كيمياى عشق بيابى وزر شوى
﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ ولذلك بدل السيئات حسنات ﴿رَّحِيمًا﴾ ولذلك أثاب على الحسنات.


الصفحة التالية
Icon