قال الإمام النسفي في تفسير "التيسير" وأنا أعدها على ترتيب أختاره وعلى الاجتهاد فأقول : بدأ فيه بالتهليل والذي يليه التكبير والتسبيح والتحميد والتمجيد والتجريد والتفريد والتوبة والإنابة والنظافة والطهارة والصلاة والزكاة والصيام والقيام والاعتكاف والحج والعمرة والقربان والصدقة والغزو والعتق وقراءة القرآن وملازمة الإحسان ومجانبة العصيان وترك الطغيان وهجر العدوان وتقوى الجنان وحفظ اللسان والثناء والدعاء والخوف والرجاء والحياء والصدق والصفاء والنصح والوفاء والندم والبكاء والإخلاص والذكاء والحلم والسخاء والشكر في العطية والصبر في البلية والرضى بالقضية والاستعداد للمنية واتباع السنة وموافقة الصحابة وتعظيم أهل الشيبة والعطف على صغار البرية والاقتداء بعلماء الأمة والشفقة على العامة واحترام الخاصة وتعظيم أهل السنة وأداء الأمانة وإظهار الصيانة والإطعام والإنعام وبر الأيتام وصلة الأرحام وإفشاء السلام وصدق الاستسلام وتحقيق الاستعصام والزهد في الدنيا والرغبة في العقبى والموافقة للمولى ومخالفة الهوى والحذر من لظى وطلب جنة المأوى وبث الكرم وحفظ الحرم والإحسان إلى الخدم وطلب التوفيق وحفظ التحقيق ومراعاة الجار والرفيق وحسن الملكة في الرقيق وأدناها إماطة الأذى عن الطريق فمن استكمل الوفاء بشعب الإيمان نال بوعد الله كمال الأمان وهو الذي قال الله تعالى فيه :﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَـانَهُم بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الامْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ (الأنعام : ٨٢) ﴿تِلْكَ ءَايَـاتُ الْكِتَـابِ الْمُبِينِ﴾ تلك مبتدأ خبره ما بعده أي هذه السورة آيات القرآن الظاهر إعجازه وصحة أنه كلام الله ولو لم يكن كذلك لقدروا على الإتيان بمثله ولما عجزوا عن المعارضة فهو من أبان بمعنى بان أو ظهر أو المبين للأحكام الشرعية وما يتعلق بها.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن هذه الحروف المقطعة ههنا وفي أوائل السور ليست من قبيل الحروف المخلوقة بل من قبيل آيات الكتاب المبين القديمة إذ كل حرف منها دال على معان كثيرة كالآيات ﴿لَعَلَّكَ بَـاخِعٌ نَّفْسَكَ﴾ لعل للإشفاق أي الخوف والله تعالى
٢٦١
منزه عنه فهو بالنسبة إلى النبي عليه السلام يقال : بخع نفسه قتلها غماً وفي الحديث :"أتاهم أهل اليمن هم أرق قلوباً وأبخع طاعة" فكأنهم في قهرهم نفوسهم بالطاعة كالباخعين إياها وأصل البخع أن يبلغ بالذبح البخاع وذلك أقصى حد الذبح وهو بالكسر عرق في الصلب غير النخاع بالنون مثلثة فإنه الخيط الذي في جوف الفقار ينحدر من الدماغ ويتشعب منه شعب في الجسم والمعنى أشفق على نفسك وخف أن تقتلها بالحزن بلا فائدة وهو حث على ترك التأسف وتصبير وتسل له عليه السلام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٨
قال الكاشفي :(و قريش قرآنرا إيمان نياوردند وحضرت رسالت عليه السلام برايمان ايشان بغايت حريص بود اين صورت بر خاطر مبارك أو شاق آمد حق سبحانه وتعالى بجهت تسلى دل مقدس وي فرمودكه مكرتو يا محمد هلاك كننده وكشنده نفس خودرتا) ﴿أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ مفعول له بحذف المضاف أي خيفة أن لا يؤمن قريش بذلك الكتاب المبين فإن الخوف والحزن لا ينفع في إيمان من سبق حكم الله بعدم إيمانه كما أن الكتاب المبين لم ينفع في إيمانه فلا تهتم فقد بلغت.
قال في "كشف الأسرار" :(أي سيد اين مشتي بيكانكان كه مقهور سطوت وسياست ما اند ومطرودد ركاه عزت ما تودل خويش بايشان را مشغول داري وازنكار ايشان برخود را رنج نهى ايشانرا بحكم ما تسليم كن وباشغل من آرام كير).
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى تأديب النبي عليه السلام لئلا يكون مفرطاً في الرحمة والشفقة على الأمة فإنه يؤدي إلى الركون إليهم وأن التفريط في ذلك يؤدي إلى الفظاعة وغلظ القلب بل يكون مع الله مع المقبل والمدبر.
ترا مهر حق بس زجمله جهان
برو ازنقوش سوى ساده باش
بهار وخزانرار همه در كذر
وسرو سهى ذدائم آزاده باش
ثم بين أن إيمانهم ليس مما تعلقت به مشيئة الله تعالى فقال :
﴿إِن نَّشَأْ﴾ (اكرما خواهيم) ﴿نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ ءَايَةً﴾ دالة ملجئة إلى الإيمان كإنزال الملائكة أو بلية قاسرة عليه كآية من آيات القيامة ﴿فَظَلَّتْ﴾ فصارت ومالت أي فتظن ﴿أَعْنَـاقُهُمْ﴾ أي : رقابهم.
وبالفارسية (س كردد كردنهاي ايشان).
﴿لَهَا﴾ أي : لتلك الآية ﴿خَـاضِعِينَ﴾ منقادين فلا يكون أحد منهم يميل عنقه إلى معصية الله ولكن لم نفعل لأنه لا عبرة بالإيمان المبني على القسر والإلجاء كالإيمان يوم القيامة وأصله فظلوا لها خاضعين فإن الخضوع صفة أصحاب الأعناق حقيقة فأقحمت الأعناق لزيادة التقرير ببيان موضع الخضوع وترك الخبر على حاله.
وفيه بيان أن الإيمان والمعرفة موهبة خاصة خارجة عن اكتساب الخلق في الحقيقة فإذا حصلت الموهبة نفع الإنذار والتبشير وإلا فلا فليبك على نفسه من جبل على الشقاوة.
قال الحافظ :


الصفحة التالية
Icon