وفي "التأويلات النجمية" : بعزته قهر الأعداء العتاة وبرحمته ولطفه أدرك أولياء بجذبات العناية.
وعن السري السقطي قدس سره قال : كنت يوماً أتكلم بجامع المدينة فوقف عليّ شاب حسن الشباب فاخر الثياب ومعه أصحابه فسمعني أقول في وعظي : عجباً لضعيف يعصي قوياً فتغير لونه فانصرف فلما كان الغد جلست في مجلسي وإذا به قد أقبل فسلم وصلى ركعتين وقال : يا سري سمعتك بالأمس تقول : عجباً لضعيف كيف يعصي قوياً فما معناه؟ فقلت : لا أقوى من الله ولا أضعف من العبد وهو يعصيه فنهض فخرج ثم أقبل من الغد وعليه ثوبان أبيضان وليس معه أحد فقال : يا سري كيف الطريق إلى الله تعالى؟ فقلت : إن أردت العبادة فعليك بصيام النهار وقيام الليل وإن أردت الله فاترك كل شيء سواه تصل إليه وليس إلا المساجد والمحراب والمقابر فقام وهو يقول : والله لا سلكت إلا أصعب الطرق وولى خارجاً فلما كان بعد أيام أقبل إليّ غلمان كثير فقالوا : ما فعل أحمد بن يزيد الكاتب فقلت : لا أعرف إلا رجلاً جاءني من صفته كذا وكذا وجرى لي معه كذا وكذا ولا أعلم حاله فقالوا : بالله عليك متى عرفت حاله فعرفنا ودلنا على داره فبقيت سنة لا أعرف له خبراً فبينا أنا دات ليلة بعد العشاء الآخرة جالس في بيتي إذ بطارق يطرق الباب فأذنت له في الدخول فإذا بالفتى عليه قطعة من كساء في وسطه وأخرى على عاتقه ومعه زنبيل فيه نوى فقبل بين عيني وقال : يا سري أعتقك الله من النار كما أعتقتني من رق الدنيا فأومأت إلى صاحبي أن امض إلى أهله فأخبرهم فمضى فإذا زوجته قد جاءت ومعها ولده وغلمانه فدخلت وألقت الولد في حجره وعليه حلي وحلل وقالت : يا سيدي أرملتني وأنت حيّ وأيتمت ولدك وأنت حيّ قال السري : فنظر إليّ وقال : يا سري ما هذا وفاء ثم أقبل عليها وقال : والله إنك لثمرة فؤادي وحبيبة قلبي وإن هذا ولدي لأعز الخلق عليّ غير أن هذا السري أخبرني أن من أراد الله قطع كل ما سواه ثم نزع ما على الصبي وقال : ضعي هذا في الأكباد الجائعة والأجساد العارية وقطع قطعة من كسائه فلف فيها الصبي فقالت المرأة : لا أرى ولدي في هذه الحالة وانتزعته منه فحين رآها قد اشتغلت به نهض وقال : ضيعتم عليّ ليلتي بيني وبينكم الله وولى خارجاً وضجت المرأة بالبكاء فقالت : إن عدت يا سري سمعت له خبراً فأعملني فقلت : إن شاء الله فلما كان بعد أيام أتتني عجوز فقال : يا سري بالشونيزية غلام يسألك الحضور فمضيت فإذا به مطروح تحت رأسه لبنة فسلمت عليه ففتح عينيه وقال : ترى يغفر تلك الجنايات؟ فقلت : نعم قال : يغفر لمثلي قلت : نعم قال : أنا غريق قلت : هو منجي الغرقى فقال : علي مظالم فقلت : في الخبر
٢٦٤
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٣
أن يؤتى بالتائب يوم القيامة ومعه خصومه فيقال لهم : خلوا عنه فإن الله تعالى يعوضكم فقال : يا سري معي دراهم من لقط النوى إذا أنا مت فاشتر ما أحتاج إليه وكفني ولا تعلم أهلي لئلا يغيروا كفني بحرام فجلست عنده قليلاً ففتح عليه وقال لمثل هذا فليعمل العاملون ثم مات فأخذت الدراهم فاشتريت ما يحتاج إليه ثم سرت نحوه فإذا الناس يهرعون إليه فقلت ما الخبر فقيل : مات وليّ من أولياء الله نريد أن نصلي عليه فجئت فغسلته ودفناه فلما كان بعد مدة وفد أهله يستعلمون خبره فأخبرتهم بموته فأقبلت امرأته باكية فأخبرتها بحاله فسألتني أن أريها قبره فقلت : أخاف أن تغيروا أكفانه قالت : لا والله فأريتها القبر فبكت وأمرت بإحضار شاهدين فأحضرأ فاعتقت جواريها ووقفت عقارها وتصدقت بمالها ولزمت قبره حتى ماتت رحمة الله تعالى عليهما.
ون كند كحل عنايت ديده باز
انيين باشد بدنيا أهل راز
﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى﴾ إذ منصوب باذكر المقدر والمناداة والنداء رفع الصوت وأصله من الندى وهو الرطوبة واستعارته للصوت من حيث أن من تكثر رطوبة فمه حسن كلامه ولهذا يوصف الفصيح بكثرة الريق.
والمعنى اذكر يا محمد لقومك وقت نداءه تعالى وكلامه موسى أي ليلة رأى الشجرة والنار حين رجع من مدين وذكرهم بما جرى على قوم فرعون بسبب تكذيبهم إياه وحذرهم أن يصيبهم مثل ما أصابهم.
﴿أَنِ ائْتِ﴾ تفسير نادى فإن مفسرة بمعنى أي والإتيان مجيء بسهولة.
والمعنى قال له : يا موسى ائت.
﴿الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ﴾ أنفسهم بالكفر والمعاصي واستعباد بني إسرائيل وذبح أبنائهم.
﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ بدل من القوم والاقتصار على القوم للإيذان بشهرة أن فرعون أول داخل في الحكم.
﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾ استئناف لا محل له من الإعراب وألا تحضيض على الفعل أتبعه إرساله إليهم لإنذار وتعجيباً من غلوهم في الظلم وإفراطهم في العدوان أي ألا يخافون الله يصرون عن أنفسهم عقابه بالإيمان والطاعة.
وبالفارسية (آيا نمي ترسند يعني بايدكه بترسند از عذاب حضرت إلهي ودست از كفر بدارند وبني إسرائيل را بكذا رند).


الصفحة التالية
Icon