﴿قَالَ﴾ استئناف كأنه قيل : فماذا قال موسى؟ فقيل : قال متضرعاً إلى الله تعالى :﴿رَبُّ﴾ (أي روردكار من).
﴿إِنِّى أَخَافُ﴾ الخوف توقع مكروه عن إمارة مظنونة أو معلومة كما أن الرجاء والطمع توقع محبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة.
﴿أَن يُكَذِّبُونِ﴾ ينكروا نبوتي وما أقول من أول الأمر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٣
قال بعض الكبار : خوفه كان شفقة عليهم وأصله يكذبوني فحذفت الياء استغناء بالكسر.
﴿وَيَضِيقُ صَدْرِى﴾ (وتنك شود دل من ازا انفعال تكذيب) وكان في موسى حدة وهو معطوف على أخاف وكذا قوله :﴿وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِى﴾ (ونكشايد زبان من وعقده كه دارد زيادة كردد) فإن الانطلاق بالفارسية (كشاده شدن وبشدن) والمراد هنا هو الأول واللسان الجارحة وقوتها قال الله تعالى :﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى﴾ (طه : ٢٧) يعني من قوة لساني فإن العقدة لم تكن في الجارحة وإنما كانت في قوتها التي هي النطق بها كما في "المفردات" ﴿فَأَرْسِلْ﴾ جبريل عليه السلام ﴿إِلَى هَـارُونَ﴾ ليكون معيناً لي في التبليغ فإنه أفصح لساناً وهو أخوه الكبير.
وبالفارسية (أورا شريك من كردان برسالت تا با عانت
٢٦٥
أو نزد فرعونيان روم).
واعلم أن التكذيب سبب لضيق القلب وضيق القلب سبب لتعسر الكلام على من يكون في لسانه حبسة لأنه عند ضيق القلب ينقبض الروح والحرارة الغريزية إلى باطن القلب وإذا انقبضا إلى الداخل ازدادت الحبسة في اللسان فلهذا بدأ عليه السلام بخوف التكذيب ثم ثنى يضيق الصدر ثم ثلث بعدم انطلاق اللسان وسأل تشريك أخيه هارون فإنه لو لم يشرك به في الأمر لاختلفت المصلحة المطلوبة من بعثة موسى وسبب عقدة لسانه عليه السلام احتراقه من الجمرة عند امتحان فرعون كما قال العطار :
همو موسى اين زمان درطشت آتش ما نداه ايم
طل فرعونيم ما كان ودهان راخكرست
ولم تحترق أصابعه حين قبض على الجمرة لتكون فصاحته بعد رجوعه إلى فرعون بالدعوة معجزة ولذا قال بعضهم : من قال كان أثر ذلك الاحتراق على لسانه بعد الدعوة فقد أخطأ.
قال بعض الكبار : ينبغي للواعظ أن يراقب الله في وعظه ويجتنب عن تكلم ما يشين بجمال الأنبياء ويهتك حرماتهم ويطلق ألسنة العامة في حقهم ويسيء الظن بهم وإلا مقته الله وملائكته ﴿وَلَهُمْ﴾ أي لقوم فرعون ﴿عَلَىَّ﴾ أي بذمتي ﴿ذَنابٌ﴾ أي جزاء ذنب وموجبه فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والمراد به قتل القبطي دفعاً عن السبطي وإنما سماه ذنباً على زعمهم.
وقال الكاشفي :(وايشانرا برمن دعوى كناهست مراد قتل قبطيست وبزعم ايشان كناه ميكويد).
﴿فَأَخَافُ﴾ إن أتيتهم وحدي.
﴿أَن يَقْتُلُونِ﴾ بمقابلته قبل أداء الرسالة كما ينبعي.
وأما هارون فليس له هذا الذنب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٣
قال بعض الكبار : ليس بعجب طريان خوف الطبيعة وصفات البشرية على الأنبياء فالقلب ثابت على المعرفة.
واعلم أن هذا وما قبله ليس تعللاً وتوقفاً من جانب موسى وتركاً للمسارعة إلى الامتثال بل هو استدفاع للبلية المتوقعة قبل وقوعها واستظهار في أمر الدعوة وحقيقته أن موسى عليه السلام أظهر التلوين من نفسه ليجد التمكين من ربه وقد آمنه الله وأزال عنه كل كلفة حيث.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٣
﴿قَالَ﴾ تعالى ﴿كَلا﴾ أي : ارتدع عما تظن فإنهم لا يقدرون على قتلك به لأني لا أسلطهم عليك بل أسلطك عليهم ﴿اذْهَبَآ﴾ أي أنت والذي طلبت وهو هارون فالخطاب إليهما على تغليب الحاضر ﴿بآياتنا﴾ أي حال كونكما ملتبسين بآياتنا التسع التي هي دلائل القدرة وحجة النبوة وهو رمز إلى دفع ما يخافه.
﴿إِنَّا مَعَكُم﴾ تعليل للردع عن الخوف ومزيد تسلية لهما بضمان كمال الحفظ والنصرة والمراد موسى وهارون وفرعون فمع موسى وهارون بالعون والنصر ومع فرعون بالقهر والكسر وهو مبتدأ وخبر وقوله :﴿مُّسْتَمِعُونَ﴾ خبر ثان أو الخبر وحده ومعكم ظرف لغو وحقيقة الاستماع طلب السمع بالإصغاء وهو بالفارسية (كوش فراداشتن) والله تعالى منزه عن ذلك فاستعير للسمع الذي هو مطلق إدراك الحروف والأصوات من غير إصغاء.
والمعنى سامعون لما يجري بينكما وبينه فأظهر كما عليه مثل حاله تعالى بحال ذي شوكة قد حضر مجادلة قوم يسمع ما يجري بينهم ليمد الأولياء منهم ويظهرهم على الأعداء مبالغة في الوعد بالإعانة وجعل الكلام استعارة تمثيلية لكون وجه الشبه هيئة منتزعة من عدة أمور.
﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ﴾ (س بياييد فرعون) وهو الوليد بن مصعب وكنيته أبو العباس وقيل : اسمه مغيب وكنيته أبو مرة وعاش أربعمائة
٢٦٦


الصفحة التالية
Icon