وستين سنة ﴿فَقُولا إِنَّا﴾ أي : كل معنا ﴿رَسُولُ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ (فرستاده رورد كار عالميا نيم) وقال بعضهم : لم يقل رسولاً لأن موسى كان الرسول المستقل بنفسه وهارون كان ردأ يصدقه تبعاً له في الرسالة ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ﴾ أن مفسرة لتضمن الإرسال المفهوم من الرسول معنى القول والإرسال ههنا التخلية والإطلاق كما تقول : أرسلت الكلب إلى الصيد أي خلهم وشأنهم ليذهبوا إلى أرض الشأم وكانت مسكن آبائهم : وبالفارسية (وسخن اينست كله إيشان بوده).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٦
وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة وكانوا في ذلك الوقت ستمائة ألف وثلاثين ألفاً فانطلق موسى إلى مصر وهارون كان بها فلما تلاقيا ذهبا إلى باب فرعون ليلاً ودق موسى الباب بعصاه ففزع البوابون وقالوا : من بالباب؟ فقال موسى : أنا رسول رب العالمين فذهب البواب إلى فرعون فقال : إن مجنوناً بالباب يزعم أنه رسول رب العالمين فأذن له في الدخول من ساعته كما قاله السدي أو ترك حتى أصبح ثم دعاهما فدخلا عليه وأديا رسالة الله فعرف فرعون موسى لأنه نشأ في بيته فشتمه.
﴿قَالَ﴾ فرعون لموسى.
وقال قتادة : إنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب : ههنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين فقال : ائذن له حتى نضحك منه فأديا إليه الرسالة فعرف موسى فقال عند ذلك على سبيل الامتنان :﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ في حجرنا ومنازلنا.
وقال الكاشفي :(نه ترا رورديم درميان خويش ﴿وَلِيدًا﴾ در حالتي كه طفل بودي نزديك بولادت) عبر عن الطفل بذلك لقرب عهده من الولادة.
﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ (ودرنك كردي در منزلهاي ما سالها از عمر خود) قوله : من عمرك حال من سنين.
والعمر بضمتين مصدر عمر أي عاش وحيي.
قال الراغب : العمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة قليلة أو كثيرة.
قيل : لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج إلى مدين وأقام بها عشر سنين ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله تعالى ثلاثين سنة ثم بقي بعد الغرق خمسين فيكون عمر موسى مائة وعشرين سنة ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِى فَعَلْتَ﴾ الفعلة بالفتح المرة الواحدة يعني قتل القبطي الذي كان خباز فرعون واسمه فاتون وبعد ما عدد نعمته من تربيته وتبليغه مبلغ الرجال نبهه بما جرى عليه من قتل خبازه وعظمه.
قال ابن الشيخ : تعظيم تلك الفعلة يستفاد من عدم التصريح باسمها الخاص فإن تنكير الشيء وإبهامه قد يقصد به التعظيم ﴿وَأَنتَ مِنَ الْكَـافِرِينَ﴾ حال من إحدى التاءين أي من المنكرين لنعمتي والجاحدين لحق تربيتي حيث عمدت إلى رجل من خواصي.
﴿قَالَ﴾ موسى ﴿فَعَلْتُهَآ﴾ أي تلك الفعلة.
﴿إِذًا﴾ أي حين فعلت أي قتلت النفس وهو حرف جواب فقط لأن ملاحظة المجازاة ههنا بعيدة.
﴿وَأَنَا مِنَ الضَّآلِّينَ﴾ يقال : ضل فلان الطريق أخطأه أي ضللت طريق الصواب وأخطأته من غير تعمد كمن رمى سهماً إلى طائر وأصاب آدمياً وذلك لأن مراد موسى كان تأديبه لا قتله.
وبالفارسية (آكاه نبودم كه بمشت زدن من آنكس كشته شود).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٦
﴿فَفَرَرْتُ مِنكُمْ﴾ ذهبت من بينكم إلى مدين حذراً على نفسي.
﴿لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾ أن تصيبوني بمضرة وتؤاخذوني بما لا أستحقه بجنايتي
٢٦٧
من العقاب.
﴿فَوَهَبَ لِى رَبِّى﴾ حين رجعت من مدين.
﴿حُكْمًا﴾ أي علماً وحكمة ﴿وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ إليكم.
وفي "فتح الرحمن" : حكماً أي نبوة وجعلني من المرسلين درجة ثانية للنبوة فرب نبي ليس برسول.
قال بعض الكبار : إن الله تعالى إذا أراد أن يبلغ أحداً من خلقه إلى مقام من المقامات العالية يلقي عليه رعباً حتى يفر إليه من خلقه فيكشف له خصائص أسراره كما فعل بموسى عليه السلام ومعاصي الخواص ليست كمعاصي غيرهم فإنهم لا يقعون فيها بحكم الشهوة الطبيعية بل بحسب الخطا وذلك مرفوع.
﴿وَتِلْكَ﴾ أي التربية المدلول عليها بقوله :﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ﴾ ﴿نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ﴾ أي تمن بها عليّ ظاهراً وهي في الحقيقة.
﴿أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَاءِيلَ﴾ أي تعبيدك بني إسرائيل وقصدك إياهم بذبح أبنائهم فإن السبب في وقوعي عندك وحصولي في تربيتك يعني لو لم يفعل فرعون ذلك أي قهر بني إسرائيل وذبح أبنائهم لتكفلت أم موسى بتربيته ولما قذفته في اليم حتى يصل إلى فرعون ويربي بتربيته فكيف يمتن عليه بما كان بلاؤه سبباً له.
قوله تلك مبتدأ ونعمة خبرها وتمنها عليّ صفة وإن عبدت خبر مبتدأ محذوف أي وهي في الحقيقة تعبيد قومي.
والتعبيد : بالفارسية (دام كردن وببند كي كرفتن) يقال عبدته إذا أخذته عبداً وقهرته وذللته.
رد موسى عليه السلام أولاً ما وبخه فرعون قدحاً في نبوته ثم رجع إلى ما عده عليه من النعمة ولم يصرح برده حيث كان صدقاً غير قادح في دعواه بل نبه على أن ذلك كان في الحقيقة نعمة لكونه مسبباً عنها.