﴿قَالَ﴾ موسى زيادة في تعريف الحق ولم يشتغل بمجاوبته في السفاهة.
﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ﴾ بيان ربوبيته للسموات والأرض وما بينهما وإن كان متضمناً لبيان الخافقين وما بينهما لكن أراد التصريح بذكر الشروق والغروب للتغيرات الحادثة في العالم من النور مرة والظلمة أخرى المفتقرة إلى محدث عليم حكيم.
قال ابن عطاء :
٢٦٩
منور قلوب أوليائه بالإيمان ومشرق ظواهرهم ومظلم قلوب أعدائه بالكفر ومظهر آثار الظلمة على هياكلهم.
﴿إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ شيئاً من الأشياء أو من جملة من له عقل وتمييز علمتم أن الأمر كما قلته واستدللتم بالأثر على المؤثر.
وفيه تلويح بأنهم بمعزل من دائرة العقل متصفون بما رموه عليه السلام به من الجنون فمن كمال ضدية موسى وفرعون وكذا القلب والنفس يعد كل منهما ما يصدر من الآخر من الجنون وقس عليهما العاشق والزاهد فإن جنون العشق من واد وجنون الزهد من واد آخر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٨
زدشيخ نارسيده بعشق توطعنه أم
ديوانه را زسرزنش كودكان ه باك
﴿قَالَ﴾ فرعون من غاية تمرده وميلاً إلى العقوبة كما يفعله الجبابرة وعدولاً إلى التهديد من المحاجة بعدالانقطاع وهكذا ديدن المعاند المحجوب وغيظاً على نسبة الربوبية إلى غيره ولعله كان دهرياً اعتقد أن من ملك قطراً وتولى أمره بقوة طالعة استحق العبادة من أهله.
وقال بعضهم : كان الملعون مشبهاً ولذلك قال وما رب العالمين أي أي شيء هو فنوقعه في الخيال.
﴿لَـاـاِنِ اتَّخَذْتَ إِلَـاهًَا غَيْرِى لاجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ اللام للعهد أي لأجعلنك من الذين عرفت أحوالهم في سجوني فإنه كان يطرحهم في هوة عميقة حتى يموتوا ولذلك لم يقل لأسجنك.
قال الكشافي :(هر آينه كردانيدم ترا از زندانيان آورده اندكه سجن فرعون از قتل بدتربود زايراكه زندانيانرا در حفره عميق مي اندا ختندكه در آنجاهي نمي ديدند ونمى شنيدند وبيرون نمي آوردند إلا مردهٌ).
وفيه إشارة إلى سجن حب الدنيا فإن القلب إذا كان متوجهاً إلى الله وطلبه معرضاً عن النفس وشهواتها فلا استيلاء للنفس عليه إلا بشبكة حب الجاه والرياسة فإنه آخر ما يخرج عن رؤوس الصديقين.
باشد أهل آخرت را حب جاه
همو يوسف را دران شهراه جاه
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٨
﴿قَالَ﴾ موسى :﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ﴾ (اكربيايم تر) ﴿بِشَىْءٍ مُّبِينٍ﴾ يعني أتفعل بي ذلك ولو جئتك بشيء موضح لصدق دعواي يعني المعجزة فإنها الجامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته والدلالة على صدق مدعي نبوته فالواو للحال دخلت عليها همزة الاستفهام للإنكار بعد حذف الفعل أي جائياً بشيء مبين وجعلها بعضهم للعطف أي أتفعل بي ذلك لو لم أجيء بشيء مبين ولو جئتك به أي على كل حال من عدم المجيء والمجيء.
﴿قَالَ﴾ فرعون ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ﴾ (س بيار آن يزرا).
﴿إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ﴾ في أن لك بينة موضحة لصدق دعواك وكان في يد موسى عصا من شجر الآس من الجنة وكان آدم جاء بها من الجنة فلما مات قبضها جبريل ودفعها إلى موسى وقت رسالته فقال موسى لفرعون : ما هذه التي بيدي قال فرعون : هذه عصا.
﴿فَأُلْقِىَ﴾ من يده ﴿عَصَاهُ﴾ والإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه وتراه ثم صار في التعارف اسماً لكل طرح.
﴿فَإِذَا هِىَ﴾ (س آنجا عصا س ازافكندن ﴿ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ أي ظاهر الثعبانية وإنها شيء يشبه الثعبان صورة بالسحرة أو بغيره والثعبان أعظم الحيات بالفارسية (ادها) واشتقاقه من ثعبت الماء فانثعب أي فجرته فانفجر.
قال الكاشفي :(وفرعون از مشاهده او بترسيد ومردمان كه حاضر بودند هزيمت كردند نانه
٢٧٠
دروقت فراربيست وننج هزاركس كشته شد).
قال فرعون من شدة الرعب : يا موسى أسألك بالذي أرسلك أن تأخذها فأخذها فعادت عصا ولا تناقض بينه وبين قوله ﴿كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ (القصص : ٣١) وهو الصغير من الحيات لأن خلقها خلق الثعبان العظيم وحركتها وخفتها كالجان كما في "كشف الأسرار".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠
وفيه إشارة إلى إلقاء القلب عصا الذكر وهو كلمة لا إله إلا الله فإذا هي ثعبان مبين يلتقم بفم النفي ما سوى الله.
﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ من جيبه.
وبالفارسية (ورست راست خويش ازز ير بازوي ب خويش بيرون كشيد) ﴿فَإِذَا هِىَ﴾ (س آنجا دست أو ﴿بَيْضَآءُ﴾ ذات نور وبياض من غير برص.
وبالفارسية (سيد در خشنده بود بعد ازانكه كندم كونه بود) ﴿لِلنَّـاظِرِينَ﴾ (مر نظر كنند كانرا كفته اند شعاع دست مبارك موسى بمثابهٌ نور آفتاب ديده را خيره ساختي) ـ ـ روي ـ ـ أن فرعون لما رأى الآية الأولى قال : فهل غيرها؟ فاخرج يده فقال : ما هذه؟ قال فرعون : يدك فما فيها؟ فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع كاد يغشي الأبصار ويسد الأفق.