قال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله : لو أمرني الله أن أقسم العذاب بين الخلق ما قسمت للعاشقين عذاباً.
قال الحافظ :
هرند غرق بحر كناهم زصد جهت
كرآشناي عشق شوم زاهل رحمتم
قال بعضهم : نزلت هاتان الآيتان في غزوة بني المصطلق ليلاً فقرأهما رسول الله على أصحابه فلم ير أكثر باكياً من تلك الليلة فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدراً وكانوا بين حزين وباك ومفكر فقال عليه السلام :"أتدرون أي يوم ذلك" فقالوا : الله ورسوله أعلم.
قال :"ذلك يوم يقول الله لآدم يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول أخرج بعث النار فيقول من كل كم قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين" قال عليه السلام :"فذلك" أي التقاول "حين يشيب الصغير وتضع كل ذات
حمل حملها وترى الناس سكارى" أي : من الخوف ﴿وَمَا هُم بِسُكَـارَى﴾ أي من الخمر ﴿وَلَـاكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ فكبر ذلك على المسلمين فبكوا وقالوا يا رسول الله أينا ذلك فقال :"أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ومنكم رجل" ثم قال :"والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة" فكبروا وحمدوا الله ثم قال :"والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله ثم قال :"والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة وإن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً ثمانون منها أمتي وما المسلمون إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الحمار بل كالشعرة السوداء في الثور الأبيض وكالشعرة البيضاء في الثور الأسود"، ثم قال :"ويدخل من أمتي سبعون ألفاً الجنة بغير حساب" فقال عمر رضي الله عنه سبعون ألفاً قال :"نعم ومع كل ألف سبعون ألفاً" فقام عكاشة بن محصن رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال صلى الله عليه وسلّم "أنت منهم فقام رجل من الأنصار فقال : ادع الله أن يجعلني منهم فقال عليه السلام :"سبقك بها عكاشة".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢
قال : بعض أرباب الحقائق وجه كون هذه الأمة ثمانين صفاً أن الله تعالى قال في حقهم :﴿أولئك هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ (المؤمنون : ١٠) ولما كانت الجنة دار أبيهم آدم فالأقرب إليه من أولاده يحجب الأبعد وأقرب بنيه إليه وأفضلهم على الإطلاق هو محمد صلى الله عليه وسلّم وأمته فكان ثلثا الجنة للأصل الأقرب وبقي الثلث للفرد الأبعد وذلك أن الأمة المحمدية أقرب إلى الكمال من سائر الأمم كالذكر أقرب إلى الكمال من الأنثى وللذكر مثل حظ الأنثيين ولهذا السر يكنى آدم في الجنة بأبي محمد ولا شك أنه عليه السلام أبو الأرواح كما أن آدم أبو البشر فالأب الحقيقي يحجب أولاد أولاده فأمته هم الأولاد الأقربون وسائر الأولاد هم الأبعدون.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢
﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ مبتدأ، أي وبعض الناس وهو النضر بن الحارث وكان جدلاً يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ولا بعث بعد الموت ﴿مَن يُجَـادِلُ﴾ الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمقاتلة وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله كأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأَيه ﴿فِى اللَّهِ﴾ أي في شأنه ويقول فيه ما لا خير فيه من الأباطيل حال كون ذلك المجادل ملابساً ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (بي دانشي وبي معرفتي وبي برهاني وحجتي).
والآية عامة في كل ذات كافر يجادل الله وصفاته بالجهل وعدم اتباع البرهان.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن من يجادل في الله ما له علم بالله ولا معرفة به وإلا لم يجادل فيه ولم يستسأل وإنما يجادل لاتباعه الشيطان كما قال :﴿وَيَتَّبِعُ﴾ في جداله وعامة أحواله ﴿كُلَّ شَيْطَـانٍ مَّرِيدٍ﴾ متجرد للفساد متعر من الخيرات وهم رؤساء الكفرة الذين يدعون من دونهم إلى الكفر أو إبليس وجنوده يقال : مرد الشيء إذا جاوز حد مثله وأصله العري يقال : غلام أمرد إذا عري من الشعر والورق.
وروي (أهل الجنة مرد) فقد حمل على ظاهره وقيل أن معناه معرّون عن المقابح والشوائب ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ﴾ أي قضى على كل شيطان من الجن والإنس كما في "التأويلات النجمية".
قال الكاشفي (نوشته شده است بان ديو درلوح محفوظ) ﴿أَنَّهُ﴾ أي الشأن ﴿مِن﴾ (هركس كه)
﴿تَوَلاهُ﴾ اتخذه ولياً وتبعه ﴿فَأَنَّه يُضِلُّهُ﴾ بالفتح على أنه خبر مبتدأ محذوف أي فشأن الشيطان أن يضل من تولاه عن طريق الحق ﴿وَيَهْدِيهِ﴾ يدله ﴿إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ بحمله على مباشرة ما يؤدي إليه من السيئات وإضافة العذاب إلى السعير وهي النار الشديدة الاشتغال بيانية كشجر الأراك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤
وعن الحسن أنه اسم من أسماء جهنم.


الصفحة التالية
Icon