قال الكاشفي :(مراد تمثالها ست كه ساخته بودند از انواع فلزات بر صور مختلفة وبرعبات آن مداومت ميكردند) كما قال :﴿فَنَظَلُّ لَهَا عَـاكِفِينَ﴾ لم يقتصروا على قوله أصناماً بل أطنبوا في الجواب بإظهار الفعل وعطف دوام عكوفهم على أصنامهم ابتهاجاً وافتخاراً بذلك يقال : ظللت أعمل كذا بالكسر ظلولاً إذا عملت بالنهار دون الليل والظاهر أن عبادتهم الأصنام لا تختص بالنهار فالمراد بالظلول ههنا الدوام، والمعنى بالفارسية :(س هميشه مي باشيم مرانرا مجاور وملازم ومداوم بر عبادت).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٠
والعكوف اللزوم ومنه المعتكف لملازمته المسجد على سبيل القربة وصلة العكوف كلمة على وايراد اللام لإفادة معنى زائد كأنهم قالوا : فنظل لأجلها مقبلين على عبادتها ومستديرين حولها.
وقال أبو الليث : إن إبراهيم عليه السلام ولدته أمه في الغار فلما خرج وكبر دخل المصر وأراد أن يعلم على أي مذهب هم وهكذا ينبغي للعاقل إذا دخل بلدة أن يسألهم عن مذهبهم فإن وجدهم على الاستقامة دخل معهم وإن وجدهم على غير الاستقامة أنكر عليهم فلما قال إبراهيم ما تعبدون وقالوا : نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين وأراد أن يبين عيب فعلهم.
﴿قَالَ﴾ استئناف بياني.
﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ﴾ أي : يسمعون دعاءكم على حذف المضاف فإن كم ليس من قبيل المسموعات والواو بحسب زعمهم فإنهم كانوا يجرون الأصنام مجرى العقلاء.
﴿إِذْ تَدْعُونَ﴾ وقت دعائكم لحوائجكم فيستجيبون لكم.
﴿أَوْ يَنفَعُونَكُمْ﴾ على عبادتكم لها.
وبالفارسية (يا سود ميرسانند شمارا) ﴿أَوْ يَضُرُّونَ﴾ أو يضرونكم بترك العبادة إذ لا بد للعبادة من جلب نفع أو دفع ضر.
وبالفارسية :(يا زيان ميرسانند بشما قوم إبراهيم نتوا نستندكه أو راجواب دهند بهانه تقليد يش آورده).
﴿قَالُوا﴾ ما رأينا منهم ذلك السمع أو النفع أو الضر ﴿بَلْ وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا كَذَالِكَ﴾ منصوب بقوله :﴿يَفْعَلُونَ﴾ وهو مفعول ثانٍ لوجدنا، أي
٢٨١
وجدناهم يعبدون مثل عبادتنا فاقتدينا بهم اعترفوا بأنها بمعزل من السمع والمنفعة والمضرة بالكلية واضطروا إلى إظهار أن لا سند لهم سوى التقليد.
خواهي بسوى كعبه تحقيق ره برى
ي بري مقلدكم كرده ره مرو
﴿قَالَ﴾ إبراهيم متبرئاً من الأصنام ﴿أَفَرَءَيْتُم﴾ أي : أنظرتم فأبصرتم أو تأملتم فعلمتم ﴿مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمُ الاقْدَمُونَ﴾ الأولون حق الإبصار أو بحق العلم فإن الباطل لا ينقلب حقاً بكثرة فاعلية وكونه دأباً قديماً وما موصولة عبارة عن الأصنام.
﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّى﴾ بيان لحال ما يعبدونه بعد التنبيه على عدم علمهم بذلك أي لم تنظروا ولم تقفوا على حاله فاعلموا أن الأصنام أعداء لعابديهم لما أنهم يتضررون من جهتهم فوق ما يتضرر الرجل من عدوه.
فسمى الأصنام أعداء وهي جمادات على سبيل الاستعارة وصور الأمر في نفسه حيث قال : عدو لي.
لا لكم تعريضاً لهم فإنه أنفع في النصح من التصريح وإشعاراً بأنها نصيحة بدأ بها نفسه ليكون أدعى إلى القبول.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٠
وقال الفراء : هو من المقلوب ومعناه فإني عدو لهم فإن من عاديته عاداك وإفراد العدو لأنه في الأصل مصدر أو بمعنى النسب أي ذو عداوة كتامر لذي تمر.
﴿إِلا رَبَّ الْعَـالَمِينَ﴾ استثناء منقطع أي لكن رب العالمين ليس كذلك بل هو وليي في الدنيا والآخرة لا يزال يتفضل عليّ بمنافعهما.
قال بعض الكبار : رأى الخليل عليه السلام نفسه بمثابة في الخلة لم يكن له في زمانه نظير يسمع كلامه من حيث حاله فوقعت العداوة بينه وبين الخلق جميعاً.
وأيضاً هذا إخبار عن كمال محبته إذ لا يليق بصحبته ومحبته أحد غيرالحق.
قال سمنون : لا تصح المحبة لمن لم ينظر إلى الأكوان وما فيها بعين العداوة حتى يصح له بذلك محبة محبو به والرجوع إليه بالانقطاع عما سواه ألا ترى الله كيف قال حاكياً عن الخليل :﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّى إِلا رَبَّ الْعَـالَمِينَ﴾.
هجرت الكل فيك حتى صـ
ـح لي الاتصال
بهجر ما سوي بايد
طلب كردن وصال او
كن من اخلق جانباً
وارض بالله صاحبا
قلب الخلق كيف شئـ
ـت تجدهم عقاربا
يقول الفقير : اعلم أن العدو لا ينظر إلى العدو إلا بطرف العين بل لا ينظر أصلاً لفقدان الميل القلبي قطعاً فإذا كان ما سوى الله تعالى عدواً للسائق فاللائق له أن لا ينظر إليه إلا بنظر الاعتبار.
وقد ركب الله في الإنسان عينين إشارة باليمنى إلى الملكوت وباليسرى إلى الملك فما دامت اليسرى مفتوحة إلى الملك فاليمنى محجوبة عن الملكوت وما دامت اليمنى ناظرة إلى الملكوت فالعبد محجوب عن الجبروت واللاهوت فلا بد من قطع النظر عن الملك والملكوت وإيصاله إلى عام الجبروت واللاهوت وهو العمى المقبول والنظر المرضي.
وفي الدعاء : اللهم اشغلنا بك عمن سواك.
فإن قلت : ما يطلق عليه ما سوى الله كله من آثار تجلياته تعالى فكيف يكون عدواً وغيراً؟.


الصفحة التالية
Icon