﴿وَالَّذِى أَطْمَعُ﴾ (طمع ورجا ميدارم) ﴿أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيائَتِى يَوْمَ الدِّينِ﴾ أي : يوم الجزاء والحساب دعا بلفظ الطمع ولم يعزم في سؤاله كما عزم فيما قبل من الأمور المذكورة تأدباً أو ليعلم أن العبد ليس له أن يحكم لنفسه بالإيمان وعليه أن يكون بين الخوف والرجاء وليدل على كرم الله فإن الكريم إذا أطمع أنجز وأسند الخطيئة إلى نفسه وهي في الغالب ما يقصد بالعرض لأنه من الخطأ هضماً لنفسه وتعليماً للأمة أن يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر وطلب لأن يغفر لهم ما فرط منهم وتلافياً لما عسى يقع منه من الصغائر مع أن حسنات الأبرار سيئات المقربين كما أن درجاتهم دركات المقربين.
(در تلخيص آورده كه مراد خطاياي است محمد است عليه السلام كه حضرت خليل از ملك جليل دعاي غفران نموده) وتعليق المغفرة بيوم الدين مع أن الخطيئة إنما تغفر في الدنيا لأن أثرها يتبين وفائدته ثمة تظهر وفي ذلك تهويل له وإشارة إلى وقوع الجزاء فيه إن لم تغفر ومثله رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم فهل ذلك نافعه قال :"لا إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" يعني أنه كان كافراً ولم يكن مقراً بيوم القيامة لأن المقر به طالب لمغفرة خطيئته فيه فلا ينفعه عمله وعبد الله بن جدعان هو ابن عم عائشة رضي الله عنها وكان في ابتداء أمره فقيراً ثم ظفر بكنز اسنغى به فكان ينفق من ذلك الكنز ويفعل المعروف ثم هدا كله احتجاج
٢٨٥
من إبراهيم على قومه وإخبار أنه لا يصلح للإلهية من لا يفعل هذه الأفعال وبعد ما ذكر فنون الألطاف الفائضة عليه من الله تعالى من مبدأ خلقه إلى يوم بعثه حمله ذلك على مناجاته تعالى ودعائه لربط العتيد وجلب المزيد فقال :﴿رَبُّ﴾ (أي رورد كار من).
﴿هَبْ لِى حُكْمًا﴾ أي : كمالاً في العلم والعمل استعد به لخلافة الحق ورياسة الخلق فإن من يعلم شيئاً ولا يأتي من العمل بما يناسب علمه لا يقال له حكيم ولا لعلمه حكم وحكمة.
﴿وَأَلْحِقْنِى بِالصَّـالِحِينَ﴾ ووفقني من العلوم والأعمال والأخلاق لما ينظمني في زمرة الكاملين الراسخين في الصلات المتنزهين عن كبائر الذنوب وصغائرها أو اجمع بيني وبينهم في الجنة فقد أجابه تعالى حيث قال :﴿وَإِنَّه فِى الاخِرَةِ لَمِنَ الصَّـالِحِينَ﴾ (البقرة : ١٣٠) وباقي الكلام هنا سبق في أواخر سورة الكهف.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٣
﴿وَاجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الاخِرِينَ﴾ جاهاً وحسن صيت في الدنيا يبقى أثره إلى يوم الدين ولذلك ما من أمة إلا وهم محبون له مثنون عليه فحصل بالأول الجاه وبالثاني حسن الذكر.
وبالفارسية (وكردان براي من زبان راست يعني ثناي نيكو درميان س آيند كان يعني جاري كن ثناونيكنامي وآوازه من برزبان كساني كه س از من آنيد) فقوله :﴿فِى الاخِرِينَ﴾ أي : في الأمم بعدي وعبر عن الثناء الحسن والقبول العام باللسان لكون اللسان سبباً في ظهوره وانتشاره وبقاء الذكر الجميل على ألسنة العباد إلى آخر الدهر دولة عظيمة من حيث كونه دليلاً على رضى الله عنه ومحبته والله تعالى إذا أحب عبداً يلقي محبته إلى أهل السموات والأرض فيحبه الخلائق كافة حتى الحيتان في البحر والطيور في الهواء.
قال ابن عطاء : أي أطلق لسان أمة محمد بالثناء والشهادة لي فإنك قد جعلتهم شداء مقبولين.
قال سهل : اللهم ارزقني الثناء في جميع الأمم والملل وإنما يحصل في الحقيقة بالفعل الجميل والخلق الحسن واللسان اللين فهي أسباب اللسان الصدق وبها اقتداء الآخرين به فيكون له أجره ومثل أجر من اقتدى به.
﴿وَاجْعَلْنِى﴾ في الآخرة وارثاً ﴿مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ شبه الجنة التي استحقها العامل بعد فناء عمله بالميراث الذي استحقه الوارث بعد فناء مورثه فأطلق عليها اسم الميراث وعلى استحقاقها اسم الوراثة وعلى العامل اسم الوارث.
فالمعنى واجعلني من المستحقين لجنة النعيم والمتمتعين بها كما يستحق الوارث مال مورثه ويتمتع به.
ومعنى جنة النعيم (بستان رنعمت).
وفيه إشارة إلى أن طلب الجنة لا ينافي طلب الحق وترك الطلب مكابرة للربوبية.
قال بعض الكبار : إن الله تعالى هو المحبوب لذاته لا لعطائه وعطاؤه محبوب لكونه محبوباً لا لنفسه ونحبه ونحب عطاءه لحبه ولنا حبان حبه وحب عطائه وهما لذاته فقط لا لغيره فيكون الحب في أصله واحداً وفي فرعه متعدداً عى ما هو مقتضى الجمع والوحدة وموجب الفرق والكثرة فحبنا له إنما هو في مقام جمع الجمع لأنه مقام الاعتدال لا في مرتبة الجمع أو الفرق فقط.


الصفحة التالية
Icon