وفي "البحر" :﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ﴾ للوصول إلى الحضرة لقبول الفيض الإلهي.
﴿إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ﴾ عند المراقبة.
﴿بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ وهو قلب قد سلم من انحراف المزاج الأصلي الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها فإنه خلق مرآة قابلة لتجلي صفات جمال الله وجلاله كما كان لآدم عليه السلام أول فطرته فتجلى فيه قبل أن يصدأ بتعلقات الكونين أشار بقوله :﴿إِلا مَنْ﴾ إلى التخلق بخلق الله والاتصاف بصفته إذ لم يكن القلب سليماً بلا عيب إلا إذا كان متصفاً بطهارة قدس الحق عن النظر إلى الخلق.
قال ابن عطاء : السليم الذي لا يشوشه شيء من آفات الكون.
وسئل بعضهم : بم تنال سلامة الصدر؟ قال : بالوقوف على حد اليقين وترك الإرادة في التلوين والتمكين.
قال أبو يزيد رحمه الله : فقطعت المفاوز حتى بلغت البوادي وقطعت البوادي حتى وصلت إلى الملكوت وقطعت الملكوت حتى بلغت إلى الملك ـ بفتح الميم وكسر اللام ـ فقلت : الجائزة قال : قد وهبت لك جميع ما رأيت قلت : إنك تعلم أني لم أر شيئاً من ذك قال : فما تريد؟ قلت : أريد أن لا أريد قال : قد أعطيناك.
﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ عطف على لا ينفع وصيغة الماضي لتحقق وقوعه كما أن صيغة المضارع في المعطوف عليه للدلالة على استمرارانتفاع النفع ودوامه أي قربت الجنة للمتقين عن الكفر والمعاصي بحيث يشاهدونها من الموقف ويقفون على ما فيها من فنون المحاسن فيفرحون بأنهم المحشورون إليها.
وفي "البحر" : أي قربت لأنهم تبعدوا عنها لتقربهم إلى الله تعالى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٧
﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ﴾ الضالين عن طريق الحق الذي هو الإيمان والتقوى أي جعلت بارزة لهم بحيث يرونها مع ما فيها من أنواع الأهوال ويوقنون بأنهم مواقعوها ولا يجدون عنها مصرفاً فيزدادون غماً يقال : يؤتى بها في سبعين ألف زمام وفي اختلاف الفعلين ترجيح لجانب الوعد فإن التبريز لا يستلزم التقريب ثم في تقديم إزلاف الجنة إيماء إلى سبق رحمته عى غضبه.
وفي "البحر" :﴿وَبُرِّزَتِ﴾ إلخ إذ توجههم كان إليها لطلب الشهوات وقد حفت بالشهوات.
وفي "المثنوي" :
حفت الجنة بمكروهاتنا
حفت النيران من شهواتنا
٢٨٨
يعني جعلت الجنة محفوفة بالأشياء التي كانت مكروهة لنا وجعلت النارمحاطة بالأمور التي كانت محبوبة لنا.
﴿وَقِيلَ لَهُمْ﴾ أي : للغاوين يوم القيامة على سبيل التوبيخ والقائلون الملائكة من جهة الحق تعالى، وحكمه :﴿أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْبُدُونَ﴾.
﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي : أين آلهتكم الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شفعاؤكم في هذا الموقف وتقربكم إلى الله زلفى ﴿هَلْ يَنصُرُونَكُمْ﴾ بدفع العذاب عنكم ﴿أَوْ يَنتَصِرُونَ﴾ بدفعه عن أنفسهم.
وبالفارسية (يا نكاه ميدارند خودرا از حلول عقوبت بديشان) وباب افتعل ههنا مطاوع فعل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٨
قال في "كشف الأسرار" : النصر المعونة على دفع الشر والسوء عن غيره والانتصار أن يدفع عن نفسه وإنما قال : أو ينتصرون بعد قوله : هل ينصرونكم لأن رتبة النصر بعد رتبة الانتصار لأن من نصر غيره فلا شك في الانتصار وقد ينتصر من لا يقدر على نصر غيره ثم هذا سؤال تقريع وتبكيت لا يتوقع له جواب ولذلك قيل.
﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا﴾ الكبكبة (نكو نسار كردن) أي تدهور الشيء في هوة وهو تكرير الكب وهو الطرح والإلقاء منكوساً وجعل تكرير اللفظ دليلاً على تكرير المعنى كرر عين الكب بنقله إلى باب التفعيل فأصل كبكبوا كببوا فاستثقل اجتماع الباءات فأبدلت الثانية كافاً كما في زحزح فإن أصله زحح من زحه يزحه أي نحاه عن موضعه ثم نقل إلى باب التفعيل فقيل : زححه فأبدلت الحاء الثانية زاياً فقيل : زحزحه أي باعده فمعنى الآية ألقوا في الجحيم مرة بعد أخرى منكوسين على رؤوسهم إلى أن يتسقروا في قعرها.
﴿هُمُ﴾ أي : آلهتهم﴿وَالْغَاوُانَ﴾ الذين كانوا يعبدونهم.
﴿وَجُنُودُ إِبْلِيسَ﴾ شياطينه، أي ذريته الذين كانوا يغوونهم ويوسوسون إليهم ويسوّلون لهم ما هم عليه من عبادة الأصنام وسائر فنون الكفر والمعاصي ليجتمعوا في العذاب حسبما كانوا مجتمعين فيما يوجبه.
﴿أَجْمَعُونَ﴾ تأكيد لضميرهم وما عطف عليه.
﴿قَالُوا﴾ استئناف بياني أي قال العبدة حين فعل بهم ما فعل معترفين بخطاياهم.
﴿وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾ أي : والحال أنهم في الجحيم بصدد الاختصام مع من معهم من المذكورين مخاطبين لمعبوداتهم على أن الله تعالى يجعل الأصنام صالحة للاختصام بأن يعطيها القدرة على النطق والفهم.
قال أبو الليث : ومعناه قالوا وهم يختصمون فيها على معنى التقديم.
﴿تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ إن مخففة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية أي إن الشأن كنا في ضلال واضح لا خفاء فيه.


الصفحة التالية
Icon