﴿إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ ظرف لكونهم في ضلال مبين وصيغة المضارع لاستحضار الصورة الماضية أي تالله لقد كنا في غاية الضلال الفاحش وقت تسويتها إياكم أيها الأصنام في استحقاق العبادة برب العالمين الذي أنتم أدنى مخلوقاته وأذلهم وأعجزهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٨
﴿وَمَآ أَضَلَّنَآ﴾ وما دعانا إلى الضلال عن الهدي.
﴿إِلا الْمُجْرِمُونَ﴾ أي الرؤساء والكبراء كما في قوله تعالى :﴿رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا﴾ (الأحزاب : ٦٧) : وبالفارسية :(مكر بدان وبدكاران از مهتران) وأصل الجرم قطع الثمرة عنالشجرة والجرامة رديي التمر وأجرم صار ذا جرم نحو أتمر وألبن واستعبر ذلك لكل اكتساب مكروه ولا يكاد يقال في عامة كلامهم للكسب المحمود.
﴿فَمَا لَنَا﴾ (س نيست مارا اكنون) ﴿مِن شَـافِعِينَ﴾ (هي كس از شفاعت كنندكان) كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء عليهم السلام.
٢٨٩
﴿وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ (ونه دوستي مهربان وباشفقت) كما يرى لهم أصدقاء والصديق من صدقك في مودته وحميم قريب خاص وحامة الرجل خاصته كما في "فتح الرحمن".
قال الراغب هو القريب المشفق فكأنه الذي يحتد حماية لذويه وقيل : لخاصة الرجل : حامته قيل الحامة العامة وذلك لما قلنا واحتم فلان لفلان أي احتد وذلك أبلغ من اهتم لما فيه من معنى الاهتمام.
وقال الكاشفي :(در قوت القلوب آورده كه حميم دراصل هميم بوه كه هارا بحا بدل كرده اند جهت قرب مخرج وهميم مأخوذاست از اهتمام لما فيه من معنى اهتمام اهتمام كند درمهم كافران وشرط دوستي بجاي آرد) وجمع الشافع لكثرة الشفعاء عادة ألا ترى أن السلطان إذا غضب على أحد ربما شفع فيه جماعة كما أن أفراد الصديق لقلته ولو قيل بعدمه لم يبعد قال الصائب :
درين قحط هو إداري عجب دارم كه خاكستر
كه در هنكام مردن شم مي وشاند آتش را
روي في بعض الأخبار أنه يجيء يوم القيامة عبد يحاسب فتستوي حسناته وسيئاته ويحتاج إلى حسنة واحدة ترضي عنه خصومه فيقول الله : عبدي بقيت لك حسنة إن كانت أدخلتك الجنة انظر واطلب من الناس لعل واحداً يهب منك حسنة واحدة فيأتي ويدخل في الصفين ويطلب من أبيه وأمه ثم من أصحابه فيقول لكل واحد في باب فلا يجيبه أحد وكل يقول : أنا اليوم فقير إلى حسنة من حسناته فيقول الله : عبدي ألم يكن لك صديق وفيّ فيذكر العبد صديقاً له فيأتيه ويسأله فيعطيه ويجيء إلى موضعه ويخبر بذلك ربه فيقول الله : قد قبلتها منه ولم أنقص من حقه شيئاً فقد غفرت لك وله.
ففي هذا المعنى إشارة إلى أن للصداقة في الله اعتباراً عظيماً وفوائد كثيرة وفي الحديث :"أن الرجل ليقول في الجنة ما فعل بصديقي فلان وصديقه في الجحيم فيقول الله : أخرجوا له صديقه إلى الجنة" يعني : وهبته له.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٨
قال الحسن : استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة.
وقال الحسن : ما اجتمع ملأ على ذكر الله فيهم عبد من أهل الجنة إلا شفعه فيهم وإن أهل الإيمان شفعاء بعضهم لبعض وهم عند الله شافعون مشفعون وفي الحديث :"إن الناس يمرون يوم القيامة على الصراط والصراط وخص مزلة يتكفأ بأهله والنار تأخذ منهم وإن جهنم لتنطف عليهم" أي تمطر عليهم مثل الثلج إذا وقع لها زفير وشهيق "فبينا هم كذلك إذ جاءهم نداء من الرحمن : عبادي من كنتم تعبدون؟ فيقولون : ربنا أنت تعلم أنا إياك كنا نعبد فيجيبهم بصوت لم يسمع الخلائق مثله قط : عبادي حق علي أن لا أكلكم اليوم إلى أحد غيري فقد غفرت لكم ورضيت عنكم فيقوم الملائكة عند ذلك بالشفاعة فينجون من ذلك المكان فيقول الذين تحتهم في النار : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم".
﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ لو للتمني وأقيم فيه لو مقام ليت لتلاقيها في معنى التقدير أي تقدير المعدوم وفرضه كأنه قيل : فليت لنا كرة أي رجعة إلى الدنيا ﴿فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالنصب جواب التمني وهذا كلام التأسف والتحسر ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فإن من يضلل الله فما له من هاد ولو رجع إلى الدنيا مراراً ألا ترى إلى الأمم في الدنيا فإن الله تعالى
٢٩٠
أخذهم بالبأساء والضراء كراراً ثم كشفه عنهم فلم يزيدوا إلا إصراراً جعلنا الله وإياكم من المستمعين المعتبرين لا من المعرضين الغافلين.


الصفحة التالية
Icon