﴿إِنَّ فِي ذَالِكَ﴾ أي فيما ذكر من قصة إبراهيم مع قومه.
﴿لايَةً﴾ لعبرة لمن يعبد غير الله تعالى ليعلم أنه يتبرأ منه في الآخرة ولا ينفعه أحد ولا سيما لأهل مكة الذين يدعون أنهم على ملة إبراهيم.
﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم﴾ أكثر قوم إبراهيم ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ كحال أكثر قريش.
وقد روي أنه ما آمن لإبراهيم من أهل بابل إلا لوط وابنه نمرود.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ (أوست غلبه كننده برمشركان كه سطوت أو مردود نكردد).
﴿الرَّحِيمُ﴾ (وبخشاينده كه توبه بند كان ردنكند وبي احتجاج بديشان عذاب نفرستد) ويمهل كما أمهل قريشاً بحكم رحمة الواسعة لكل يؤمنوا هم أو واحد من ذريتهم ولكنه لا يهمل فإنه لا بد لكل عامل من المكافأة على عمله إن خيراً فيخير وإن شراً فشر هذا وقد جوز أن يعود ضمير أكثرهم إلى قوم نبينا عليه السلام فإنهم الذين تتلى عليهم الآية ليعتبروا ويؤمنوا وقد بين في المجلس السابق فارجع.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٨
وفي "البحر" : النفس جبلت على الأمارية بالسوء وهو الكفر ولئن آمنت وصارت مأمورة فهو خرق عادتها يدل على هذا قوله تعالى :﴿إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَةُا بِالسُّواءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّى﴾ (يوسف : ٥٣) يعني برحمة الحق تعالى تصير مأمورة مؤمنة على خلاف طبعها ولهذا قال :﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾ يعني أصحاب النفوس.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ ما هدى أكثر الخلق إلى الإيمان فضلاً عن الحضرة ﴿الرَّحِيمُ﴾ فلرحمته هدى الذين جاهدوا فيه إلى سبيل الرشاد بل هدى الطالبين الصادقين إلى حضرة جلاله انتهى.
فالهداية وإن كانت من العناية لكن لا بد من التمسك بالأسباب إلى أن تفتح الأبواب وملامة النفس عند مخالفتها الأوامر والآداب مما ينفع في هذا اليوم دون يوم القيامة ألا ترى أن الكفار لاموا أنفسهم على ترك الإيمان وتمنوا أن لو كان لهم رجوع إلى الدنيا لقبلوا الإيمان والتكليف فما نفعهم ذلك.
امروز قدر ند عزيزان شناختيم
يا رب روان ناصح ما ازتوشاد باد
عصمنا الله وإياكم من سطوته وغشينا برحمته وجعلنا من أهل القبور في الدنيا والآخرة إنه الموفق لخير الأمور الباطنة والظاهرة.
﴿كَذَّبَتْ﴾ تكذيباً مستمراً من حين الدعوة إلى انتهائها.
﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ القوم الجماعة من الرجال والنساء معاً أو الرجال خاصة وتدخل النساء على التبعية ويؤنث بدليل مجيء تصغيره على قويمة.
﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ أي : نوحاً وحده والجمع باعتبار أن من كذب رسولاً واحداً فقد كذب الجميع لاجتماع الكل على التوحيد وأصول الشرائع أو لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل.
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ﴾ ظرف للتكذيب على أنه عبارة عن زمان مديد وقع فيه ما وقع من الجانبين إلى تمام الأمر.
﴿أَخُوهُمْ﴾ في النسب لئلا يجهل أمره في الصدق والديانة ولتعرف لغته فيؤدي ذلك إلى القبول.
﴿نُوحٌ﴾ عطف بيان لأخوهم.
﴿أَلا تَتَّقُونَ﴾ الله حيث تعبدون غيره.
وبالفارسية (أيا منمي ترسيد از خداي تعالى كه ترك عبادت أو ميكنيد).
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ﴾ من جهته تعالى.
﴿أَمِينٌ﴾ مشهور بالأمانة فيما بينكم ومن كان أميناً على أمور الدنيا كان أميناً على الوحي والرسالة.
٢٩١
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ خافوا الله ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ فيما آمركم به من التوحيد والطاعة فإني لا أخونكم ولا أريدكم بسوء والفاء لترتيب ما بعدها على الأمانة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٨
﴿وَمَآ أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ على أداء الرسالة ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ جعل أصلاً وذلك لأن الرسل إذا لم يسألوا أجراً كان أقرب إلى التصديق وأبعد عن التهمة.
﴿إِنْ أَجْرِىَ﴾ ما ثوابي فيما أتولاه.
﴿إِلا عَلَى رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ لأن من عمل فلا يطلب الأجر من غير الله وبه يشير إلى أن العلماء الذين هم ورثة الأنبياء يتأدبون بآداب أنبيائهم فلا يطلبون من الناس شيئاً في بث علومهم ولا يرتفقون منهم بتعليمهم ولا بالتذكير لهم فإن من ارتفق من المسلمين المستمعين في بث ما يذكره من الدين ويعظ به لهم فلا يبارك الله للناس فيما يسمعون ولا للعلماء أيضاً بركة فيما يأخذون منهم يبيعون دينهم بعرض يسير ثم لا بركة لهم فيه :
زيان ميكند مرد تفسير دان
كه علم وأدبمفيروشد بنان
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ الفاء لترتيب ما بعدها على تنزهه عن الطمع والتكرير للتأكيد والتنبيه على أن كلاً من الأمانة وقطع الطمع مستقل في إيجاب التقوى والطاعة فكيف إذا اجتمعا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٨


الصفحة التالية
Icon