﴿قَالُوا﴾ أي : قوم نوح ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ﴾ الاستفهام للإنكار، أي لا نؤمن لك.
﴿وَاتَّبَعَكَ الارْذَلُونَ﴾ أي والحال قد أتبعك الأقلون جاهاً ومالاً أي وهذه حالك كما تقول لا نصحبك وصحبك السفلة.
والأرذلون جمع الأرذل والرذالة الخسة والدناءة والرذال المرغوب عنه لرداءته يعنون أن لا عبرة لاتباعهم لك إذ ليس لهم رزانة عقل وإصابة رأي قد كان ذلك منهم في بادىء الرأي وهذا من كمال سخافة عقولهم وقصرهم أنظارهم على الدنيا وكون الأشرف عندهم من هو أكثر منها حظاً والأرذل من حرمها وجهلهم أنها لاتزن عند الله جناح بعوضة، وأن النعيم هو نعيم الآخرة والأشرف من فاز به والأرذل من حرمه وهكذا كانت قريش تقول في أصحاب رسول الله، وما زالت الأتباع الأنبياء ضعفاء الناس وقس أتباع الأولياء على أتباعهم من حيث وراثتهم لدعوتهم وعلومهم وأذواقهم ومحنهم وابتلائهم وذلك لأن الحقيقة من أرباب الجاه والثروة لم تأت إلا نادراً :
ذران سرست بزركي ه نيست فكربزكي
﴿قَالَ﴾ نوح جواباً عما يشير إليه من قولهم أنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة.
﴿وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ إنهم علموه إخلاصاً أو نفاقاً وما وظيفتي إلا اعتبار الظواهر وبناء الأحكام عليها دون التفتيش عن بواطنهم والشق عن قلوبهم، والظاهر أن ما فيه استفهامية بمعنى أي شيء في محل الرفع على الابتداء وعلمي خبرها ويجوز أن تكون نافية والباء متعلقة بعلمي على التقدير الأول وعلى الثاني لا بد من إضمار الخبر ليتم الكلام، كما قال الكاشفي :(ونست دانش من رسنده بآنه هستندكه ميكنند).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٢
﴿إِنْ حِسَابُهُمْ﴾ ما محاسبتهم على بواطنهم ﴿إِلا عَلَى رَبِّى﴾ فإنه المطلع على الضمائر.
وفي الخبر المعروف :"فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".
قال سفيان الثوري رحمه الله : لا نحاسب الأحياء ولا نحكم عى الأموات ﴿لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ لو كنتم من أهل الشعور والإدراك
٢٩٢
لعملتم ذلك ولكنكم تجهلون فتقولون ما لا تعلمون وهو من الباب الأول وأما الشعر بمعنى النظم فمن الخامس.
﴿وَمَآ أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الطرد الإزعاج والإبعاد على سبيل الاستخلاف.
والمعنى بالفارسية :(ونيستم من راننده مؤمنان) وهو جواب عما أوهمه كلامهم أنؤمن لك من استدعاء طردهم وتعليق إيمانهم بذلك حيث جعلوا أتباعهم مانعاً عنه.
قال ابن عطاء رحمه الله : وما أنا بمعرض عمن أقبل على ربه.
﴿إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ أي ما أنا إلا رسول مبعوث لإنذار المكلفين وزجرهم عن الكفر والمعاصي سواء كانوا من الأعزاء أو الأذلاء فكيف يليق بي طرد الفقراء لاستتباع الأغيناء.
﴿قَالُوا لئن لَّمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ﴾ عما تقول يعني عن الدعوة والإنذار.
والانتهاء (بازاستيدن).
﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾.
قال الراغب في "المفردات" : الرجام الحجارة والرجم الرمي بالرجام يقال : رجم فهو مرجوم قال تعالى :﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ أي : المقتولين أقبح قتلة انتهى قالوه قاتلهم الله في أواخر الأمر.
﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ﴾ أصروا على التكذيب بعدما دعوتهم هذه الأزمنة المتطاولة ولم يزدهم دعائي إلا فراراً.
﴿فَافْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا﴾ أي : احكم بيننا بما يستحقه كل واحد منا.
قال في "التأويلات" : افتح باباً من أبواب فضلك على مستحقيه وباباً من أبواب عدلك على مستحقيه انتهى من الفتاحة وهي الحكومة والفتاح الحاكم سمي لفتح المغلق من الأمر كما سمي فيصلاً لفصله بين الخصومات.
قال ابن الشيخ أراد به الحكم بإنزال العقوبة عليهم لقوله عقبه :﴿وَنَجِّنِى﴾ خلصني ﴿وَمَن مَّعِىَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي : من العذاب ومن أذى الكفار.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٢
﴿فَأَنجَيْنَـاهُ وَمَن مَّعَهُ﴾ حسب دعائه ﴿فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ أي المملوء بهم وبكل صنف من الحيوان وبما لا بد لهم منه من الأمتعة والمأكولات ومنه الشحناء وهي عداوة امتلأت منها النفوس.
﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ﴾ أي : بعد إنجائهم ﴿الْبَاقِينَ﴾ من قومه ممن لم يركب السفينة.
وفيه تنبيه على أن نوحاً كان مبعوثاً إلى من على وجه الأرض ولذا قال في قصته الباقين وفي قصة موسى ثم أغرقنا الآخرين.
﴿إِنَّ فِي ذَالِكَ﴾ الذي فعل بقوم نوح لاستكبارهم عن قبول الحق واستخفافهم بفقراء المسلمين.
﴿لايَةً﴾ لعبرة لمن بعدهم.
﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾ أي : أكثر قوم نوح فلم يؤمن من قومه إلا ثمانون من الرجال والنساء.
وقال الكاشفي :(هفتادونه تن) وأكثر قومك يا محمد وهم قريش فاصبر على أذاهم كما صبر نوح على أذى قومه تظفر كما ظفر.
كارتو از صبر نكوتر شود
هركه شكيباست مظفر شود


الصفحة التالية
Icon