﴿وَإِنَّهُ﴾ راجع إلى القرآن وإن لم يجر له ذكر للعلم به.
﴿لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ صيغة التكثير تدل على أن نزوله كان بالدفعات في مدة ثلاث وعشرين سنة وهو مصدر بمعنى المفعول سمي به مبالغة وفي وصفه تعالى بربوبية العالمين إيذان بأن تنزيله من أحكام تربيته تعالى ورأفته للكل.
والمعنى أن القرآن الذي من جملته ما ذكر من القصص السبع لمنزل من جهته تعالى وإلا لما قدرت على الإخبار وثبت به صدقك في دعوى الرسالة لأن الإخبار من مثله لا يكون إلا بطريق الوحي.
﴿نَزَلَ بِهِ﴾ الباء للتعدية، أي أنزله أو للملابسة.
يعني (فرو آمده باقرآن).
﴿الرُّوحُ الامِينُ﴾ أي جبريل فإنه أمين على وحيه
٣٠٥
وموصله إلى أنبيائه وسمي روحاً لكونه سبباً لحياة قلوب المكلفين بنور المعرفة والطاعة حيث أن الوحي الذي فيه الحياة من موت الجهالة يجري على يده ويدل عليه قوله تعالى :﴿يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِه عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾.
وفي "كشف الأسرار" : سمي جبريل روحاً لأن جسمه روح لطيف روحاني وكذا الملائكة روحانيون خلقوا من الروح وهو الهواء.
يقول الفقير : لا شك أن للملائكة أجساماً لطيفة وللطافة نشأتهم غلب عليهم حكم الروح فسموا أرواحاً ولجبريل مزيد اختصاص بهذا المعنى إذ هو من سائر الملائكة كالرسول عليه السلام من أفراد أمته.
واعلم أن القرآن كلام الله وصفته القائمة به فكساه الألفاظ بالحروف العربية ونزله على جبريل وجعله أميناً عليه لئلا يتصرف في حقائقه ثم نزل به جبريل كما هو على قلب محمد عليه السلام كما قال :
﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ أي : تلاه عليك يا محمد حتى وعيته بقلبك فخص القلب بالذكر لأنه محل الوعي والتثبيت ومعدن الوحي والإلهام وليس شيء في وجود الإنسان يليق بالخطاب والفيض غيره وهو عليه السلام مختص بهذه الرتبة العلية والكرامة السنية من بين سائر الأنبياء فإن كتبهم منزلة في الألواح والصحائف جملة واحدة على صورتهم لا على قلوبهم كما في "التأويلات النجمية".
قال في "كشف الأسرار" : الوحي إذا نزل بالمصطفى عليه السلام نزل بقلبه أولاً لشدة تعطشه إلى الوحي ولاستغراقه به ثم انصرف من قلبه إلى فهمه وسمعه وهذا تنزل من العلو إلى السفل وهو رتبة الخواص فأما العوام فإنهم يسمعون أولاً فيتنزل الوحي على سمعهم أولاً ثم على فهمهم ثم على قلبهم وهذا ترق من السفل إلى العلو وهو شأن المريدين وأهل السلوك فشتان ما بينهما (جبرائيل و يغامن كزاردي كاه كاه بصورت ملك بودي وكاه كاه بصورت بشرا كروحي وبيغام بيان أحكام شرع بودي وذكر حلال وحرام بودي بصورت بشر آمدي كه.
﴿هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ﴾ (آل عمران : ٧) وذكر قلب درميان نبودي باز ون وحي اك حديث عشق ومحبت بودي وأسرار ورموز عارفان جبريل بصورت ملك آمدي روحاني ولطيف تابدل رسول يوستي واطلاع أغيار آن نبودي حق تعالى نين فرمود).
﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ * عَلَى قَلْبِكَ﴾ ثم إذا انقطع ذاك كان يقول فينفصم عني وقد وعيته.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٤
وفي "الفتاوى الزينية" : سئل عن السيد جبريل كم نزل على النبي عليه السلام أجاب نزل عليه أربعة وعشرين ألف مرة على المشهور انتهى.
وفي "مشكاة الأنوار" : نزل عليه سبعة وعشرين ألف مرة وعلى سائر الأنبياء لم ينزل أكثر من ثلاثة آلاف مرة.
﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ المخوفين مما يؤدي إلى عذاب من فعل أو ترك وهو متعلق بنزل به مبين لحكمة الإنزال والمصلحة منه وهذا من جنس ما يذكر فيه أحد طرفي الشيء ويحذف الطرف الآخر لدلالة المذكور على المحذوف وذلك أنه أنزله ليكون من المبشرين والمنذرين.
يقول الفقير : الإنذار أصل وقدم لأنه من باب التخلية بالخاء المعجمة فاكتفى بذكره في بعض المواضع من القرآن.
﴿بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ﴾ متعلق أيضاً بنزل وتأخيره للاغتناء بأمر الإندار واللسان بمعنى اللغة لأنه آلة التلفظ بها أي نزل به بلسان عربي ظاهر المعنى واضح المدلول لئلا يبقى لهم عذر ما أي لا يقولوا ما نصنع بما لا نفهمه فالآية صريحة في أن القرآن إنما أنزل عليه عربياً لا كما زعمت الباطنية من أنه تعالى أنزله على قلبه غير
٣٠٦
موصوف بلغة ولسان ثم أنه عليه السلام أداه بلسانه العربي المبين من غير أن أنزل كذلك وهذا فاسد مخالف للنص والإجماع ولو كان الأمر كما قالوا لم يبق الفرق بين القرآن وبين الحديث القدسي.
وفي الآية تشريف للغة العرب على غيرها، حيث أنزل القرآن بها لا بغيرها وقد سماها مبيناً ولذلك اختار هذه اللغة لأهل الجنة واختار لغة العجم لأهل النار.
قال سفيان : بلغنا أن الناس يتكلمون يوم القيامة قبل أن يدخلوا الجنة بالسريانية فإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية.


الصفحة التالية
Icon