فإن قلت : كيف يكون القرآن عربياً مبيناً مع ما فيه من سائر اللغات أيضاً على ما قالوا كالفارسية.
وهو السجيل بمعنى سنك وكل.
والرومية وهو قوله تعالى :﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ (البقرة : ٢٦٠) أي : اقطعهن.
والأرمنية وهو ﴿فِى جِيدِهَا﴾ (المسد : ٥) والسريانية وهو ﴿وَّلاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ (ص : ٣) بمعنى ليس حين فرار.
والحبشية وهو ﴿كِفْلَيْنِ﴾ بمعنى ضعفين.
قلت : لما كانت العرب يستعملون هذه اللغات ويعرفونها فيما بينهم صارت بمنزلة العربية.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله : اعلم بأن العربية لها فضل على سائر الألسنة فمن تعلمها أو علم غيره فهو مأجور لأن الله تعالى أنزل القرآن بلغة العرب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٤
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من تعلم الفارسية خب، ومن خب ذهبت عنه مروءته يعني لو اقتصر على لسان الفارسية ولم يتعلم العربية فإنه يكون أعجمياً عند من يتكلم بالعربية فذهبت مروءته ولو تكلم بغير العربية فإنه يجوز ولا إثم عليه في ذلك.
وقد روي "عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه تكلم بالفارسية" انتهى بإجمال.
يقول الفقير : الفارسية شعبة من لسان العجم المقابل للسان العرب ولها فضل على سائر لغات العجم وكذا ورد في الحديث الصحيح :"لسان أهل الجنة العربية والفارسية الدرية" بتشديد الراء كما في "الكرماني" وغيره ذكره صاحب "الكافي" والقهستاني وابن الكمال وغيرهم وصححوه وأما قوله عليه السلام :"أحب العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة في الجنة عربي" فالتخصيص فيه لا ينافي ما عداه وكذا لا ينافي كون لسان العجم مطلقاً لسان أهل النار كون الفارسية منه لسان أهل الجنة وقد تكلم بها في الدنيا كثير من العارفين.
وفي "المثنوي" :
فارسي كوكره تازي خوشترست
عشق را خود صد زبان ديكرست
وهو ترغيب في تحصيل الفارسية بعد تحصيل العربية ولهذا المقام مزيد تفصيل ذكرناه في كتابنا الموسوم "بتمام الفيض".
﴿وَإِنَّهُ﴾ أي : وإن ذكر القرآن لا عينه.
﴿لَفِى زُبُرِ الاوَّلِينَ﴾ واحدها زبور بمعنى الكتاب مثل رسل ورسول، أي لفي الكتب المتقدمة.
يعني أن الله تعالى أخبر في كتبهم عن القرآن وإنزاله على النبي المبعوث في آخر الزمان.
﴿أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءَايَةً أَن يَعْلَمَه عُلَمَاؤُا بَنِى إِسْرَاءِيلَ﴾ الهمزة لإنكار النفي والواو للعطف على مقدر ولهم حال من آية والضمير راجع إلى مشركي قريش وآية خبر للكون قدم على اسمه الذي هو قوله أن يعلمه إلخ للاعتناء بالمقدم والتنويه بالمؤخر أي أغفلوا عن ذلك ولم يكن لهم آية دالة على أنه تنزيل رب العالمين وأنه في زبر الأولين أن يعلمه علماء بني إسرائيل كعبد الله ن سلام ونحوه بنعوته المذكورة في كتبهم ويعلموا من أنزل عليه أي قد كان علمهم بذلك آية على صحة القرآن وحقية الرسول (وشهادت مردم دانا بريزي موجب تحقيق آنست).
روي : أن أهل
٣٠٧
مكة بعثوا إلى يهود المدينة يسألونهم عن محمد وبعثته فقالوا : إن هذا لزمانه وإنا نجد في التوراة نعته وصفته.
﴿وَلَوْ نَزَّلْنَـاهُ﴾ أي : القرآن كما هو بنظمه المعجب المعجز.
﴿عَلَى بَعْضِ الاعْجَمِينَ﴾ الذين لا يقدرون على التكلم بالعربية جمع أعجم عجماء وأفعل فعلاء لا يجمع جمع السلامة.
﴿فَقَرَأَه عَلَيْهِم﴾ قراءة صحيحة خارقة للعادات ﴿مَّا كَانُوا بِه مُؤْمِنِينَ﴾ مع انضمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء لفرط عنادهم وشدة شكيمتهم في المكابرة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٤
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى كمال قدرته وحكمته بأنه لو أنزل هذا الكتاب بهذه اللغة على أعجمي لم يعرف هذه اللغة لكان قادراً على أن يعلمه لغة العرب ويفهمه معاني القرآن وحكمه في لفظه كما علم آدم الأسماء كلها وكما علم العربية لمن قال :"أمسيت كردياً وأصبحت عربياً" ومع هذا لما كان أهل الإنكار مؤمنين به بعد ظهور هذه المعجزة إظهاراً لكمال الحكمة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٤
﴿كَذَالِكَ﴾ أي : مثل ذلك السلك البديع وهو إشارة إلى مصدر قوله :﴿سَلَكْنَـاهُ﴾ أي : أدخلنا القرآن ﴿فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ أي : في قلوب مشركي قريش فعرفوا معانيه وإعجازه فقوله :
﴿لا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ استئناف لبيان عنادهم.
﴿حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الالِيمَ﴾ الملجىء إلى الإيمان حين لا ينفعهم الإيمان.
﴿فَيَأْتِيَهُم﴾ العذاب ﴿بَغْتَةً﴾ أي فجأة في الدنيا والآخرة معطوف على قوله :(يروا).
﴿فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ وبالفارسية (وإيشان ندانند وقت آمدن آنرا).


الصفحة التالية
Icon