﴿عَشِيرَتَكَ الاقْرَبِينَ﴾ العشيرة أهل الرجال الذي يتكثر بهم أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل وذلك أن العشرة هو العدد الكامل فصارت العشيرة اسماً لكل جماعة من أقارب الرجل يتكثر بهم والعشير المعاشر قريباً كان أو مقارناً كذا في "المفردات".
والمراد بهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب وإنما أمر بإنذار الأقربين لأن الاهتمام بشأنهم أهم فالبداية بهم في الإنذار أولى كما أن البداية بهم في البر والصلة وغيرهما أولى وهو نظير قوله تعالى : يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَـاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم} (التوبة : ١٢٣) وكانوا مأمورين بقتال جميع الكفار ولكنهم لما كانوا أقرب إليهم أمروا بالبداية بهم في القتال كذلك ههنا وأيضاً إذا أنذر الأقارب فالأجانب أولى بذلك.
روي : أنه لما نزلت صعد الصفا وناداهم فخذاً فخذاً حتى اجتمعوا إليه فقال : لو أخبرتكم أن يسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي قالوا : نعم قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
روي : أنه قال :"يا بني عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف افتدوا أنفسكم من النار فإني لا أغني عنكم شيئاً.
ثم قال : يا عائشة بنت أبي بكر ويا حفصة بنت عمر.
ويا فاطمة بنت محمد.
ويا صفية عمة محمد اشترين أنفسكن من النار فإني لا أغني عنكن شيئاً" (در خبرست كه عائشه صديقه رضي الله عنها بكريست وكفت يا رسول الله رووز قيامت روزيست كه تومارا بكار نيابي كفت بلى) عائشة في ثلاثة مواطن يقول الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فعند ذلك لا أملك لكم من الله شيئاً وعند النور من شاء الله أتم له نوره ومن شاء الله كبه في الظلمات فلا أملك لكم من الله شيئاً وعند الصراط من شاء الله سلمه وأجاره ومن شاء كبه في النار فينبغي للمؤمن أن لا يغتر بشرف الأنساب فإن النسب لا ينفع بدون الإيمان برب الأرباب فانظر إلى حال كنعان بن نوح وإلى حال آزر والد إبراهيم عليهما السلام فإن فيها كفاية.
قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٨
و كنعانرا طبيعت بي هنربود
يمراد كي قدرش نيفزود
هنر بنماي اكر داري نه كوهن
كل از خارست وإبراهيم از آزر
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى حقيقة قوله :﴿فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَـاـاِذٍ﴾ (المؤمنون : ١٠١) وقال عليه السلام :"كل حسب ونسب ينقطع إلا حسبي ونسبي" فحسبه الإيمان والتقوى كما قال عليه السلام :"آلي كل مؤمن تقي" ويشير إلى أن من كان مصباح قلبه منوراً بنور الإيمان لا ينور مصباح عشيرته ولو كان والداً له حتى يكون مقتبساً هو لمصباحه من نور مصباحه المنور وهذا سر متابعة النبي عليه السلام والاقتداء بالولي وقوله عليه السلام لفاطمة رضي الله عنها :"يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أغني عنك من الله شيئاً" كان لهذا المعنى كما أن أكل المرء يشبعه ولا يشبع ولده حتى يأكل الطعام كما أكل والده وليعلم أنه لا ينفعهم قرابته ولا تقبل فيهم شفاعته إذا لم يكن لهم أصل الإيمان فإن الإيمان هو الأصل وما سواه تبع له ولهذا السر قال تعالى عقيب قوله :﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقْرَبِينَ﴾ قوله :
﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي ألن جانبك لهم وقاربهم في الصحبة واسحب ذيل التجاوز على ما يبدو منهم من التقصير واحتمل منهم سوء الأحوال وعاشرهم بجميل الأخلاق وتحمل عنهم
٣١١
كلهم فإن حرموك فأعطهم وإن ظلموك فتجاوز عنهم وإن قصروا في حقي فاعف عنهم واستغفر لهم.
وبالفارسية :(وبر خويش فرورد آر بفروتني ومهرباني يعني مهرباني وروز إكرام كن) والخفض ضد الرفع والدعة والسير اللين.
يعني :(نرم رفتن شتر) وهو حث على تليين الجانب والانقياد كما في "المفردات" وجناح العسكر جانباه وهو مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحط فشبه التواضع ولين الأطراف والجوانب عند مصاحبة الأقارب والأجانب بخفض الطائر جناحه، أي كسره عند إرادة الانحطاط وأما الفاسق والمنافق فلا يخفض له الجناح إلا في بعض الأحوال إذ لكل من اللين والغلظة وقت دل عليه القرآن، فلا بد من رعاية كل منهما في وقته ومن للتبيين لأن من اتبع أعم ممن اتبع لدين أو لغيره أو للتبعيض على أن المراد بالمؤمنين المشارفون للإيمان والمصدقون باللسان.
وفي "التأويلات النجمية" : والنكتة فيه أنه قال :﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لأن كل متابع مؤمن ولم يكن كل مؤمن متابعاً لئلا يغتر المؤمن بدعوى الإيمان وهو بمعزل عن حقيقته التي لا تحصل إلا بالمتابعة انتهى فعلى العاقل أن يختار صحبة الأخيار ويتابعهم في أعمالهم ويسعى في تحصيل أخلاقهم وأحوالهم وبشرف القرين يدخل عشرة من الحيوانات الجنة منها كلب أصحاب أهل الكهف ولله در من قال :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٨
سك أصحاب كهف روزي ند
ي نيكان كرفت مردم شد
حيث دخل الجنة معهم في صورة الكبش.


الصفحة التالية
Icon