﴿فَإِنْ عَصَوْكَ﴾ قال في "كشف الأسرار".
(خويشان وقرابت رسول الله عليه السلام ون بعداوت رسول دربستند وزبان طعن دراز كردند آيت فرود آمدكه).
﴿فَإِنْ عَصَوْكَ﴾ أي : فإن خرجت عشيرتك عن الطاعة وخالفوك ولم يتبعوك ﴿فَقُلْ إِنِّى بَرِىاءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أي : من عبادتكم لغير الله تعالى ولا تبرأ منهم وقل لهم قولاً معروفاً بالنصح والعظة لعلهم يرجعون إلى طاعتك وقبول الدعوة منك.
يقول الفقير : سمعت من حضرة شيخي وسندي روّح الله روحه يقول : قطعت الوصلة بيني وبين خلفائي إلا من الوصية فإن الله تعالى يقول :﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (العصر : ٣) فالوصية بالحق والصبر لا بد لي منها في حق الكل خصوصاً في حقهم.
﴿وَتَوكَّلْ﴾ في جميع حالاتك ﴿عَلَى الْعَزِيزِ﴾ الذي لا يذل من والاه ولا يعز من عاداه فهو يقدر على قهر أعدائه.
﴿الرَّحِيمُ﴾ الذي يرحم من توكل عليه وفوض أمره إليه بالظفر والنصرة فهو ينصر أولياءه ولا تتوكل على الغير فإن الله تعالى هو الكافي لشر الأعداء لا الغير والتوكل على الله تعالى في جميع الأمور والإعراض عما سواه ليس إلا من خواص الكمل جعلنا الله وإياكم من الملحقين بهم ثم أتبع به قوله :
﴿الَّذِى يُرِيكُمُ﴾ إلخ لأنه كالسبب لتلك الرحمة أي توكل على من يراك.
﴿حِينَ تَقُومُ﴾ أي إلى التهجد في جوف الليل فإن المعروف من القيام في العرف الشرعي إحياء الليل بالصلاة فيه.
وفي الحديث :"أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه السلام "كان لا يدع قيام الليل وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً".
ومنها "إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" رواه "مسلم".
يقول الفقير : هذا أي
٣١٢
ما صلى عليه السلام في النهار بدل ما فات منه في الليل من ورد التهجد يدل على أن التهجد ليس كسائر النوافل بل له فضيلة على غيره ولذا يوصي بإتيان بدله إذا فات مع أن النوافل لا تقضي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٨
﴿وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّـاجِدِينَ﴾ التقلب (بركشتن) أي ويرى ترددك في تصفح أحوال المتهجدين لتطلع على حقيقة أمرهم كما روى أنه لما نسخ فرض قيام الليل عليه وعلى أصحابه بناء على أنه كان واجباً عليه وعلى أمته وهو الأصح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان واجباً على الأنبياء قبله طاف عليه السلام تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون أي هل تركوا قيام الليل لكونه نسخ وجوبه بالصلوات الخمس ليلة المعراج حرصاً على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع لها من دندنتهم بذكر الله وتلاوة القرآن ﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ﴾ لما تقوله ولدعوات عباده ومناجاة الأسرار ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما تنويه وبوجود مصالحهم وارادات الضمائر.
وقال بعضهم :﴿وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّـاجِدِينَ﴾ أي تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود إذا اممتهم فقوله في الساجدين معناه مع المصلين في الجماعة فكأن أصل المعنى يراك حين تقوم وحدك للصلاة ويراك إذا صليت مع المصلين جماعة.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿الَّذِى يَرَاـاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ أي يرى قصدك ونيتك وعزيمتك عند قيامك للأمور كلها وقد اقتطعه بهذه الآية عن شهود الخلق فإن من علم أنه بمشهد الحق راعى دقائق حالاته وخفايا أحواله مع الحق وبقوله :﴿وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّـاجِدِينَ﴾ هون عليه معاناة مشاق العبادات لاخباره برؤيته له ولا مشقة لمن يعلم أنه بمرأى من مولاه ومحبوبه وأن حمل الجبال الرواسي يهون لمن حملها على شعرة من جفن عينه على مشاهدة ربه.
ويقال كنت بمرأى منا حين تقلبك في عالم الأرواح في الساجدين بأن خلقنا روح كل ساجد من روحك أنه هو السميع في الأزل مقالتك أنا سيد ولد آدم ولا فخر لأن أرواحهم خلقت من روحك العليم باستحقاقك لهذه الكرامة انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّـاجِدِينَ﴾ من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبياً، أي فمعنى في الساجدين في أصلاب الأنبياء والمرسلين من آدم إلى نوح وإلى إبراهيم وإلى من بعده إلى أن ولدته أمه وهذا لا ينافي وقوع من ليس نبياً في آبائه فالمراد وقوع الأنبياء في نسبه.
واستدل الرافضة على أن آباء النبي عليه السلام كانوا مؤمنين أي لأن الساجد لا يكون إلا مؤمناً فقد عبر عن الإيمان بالسجود وهو استدلال ظاهري وقوله عليه السلام :"لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات" لا يدل على الإيمان بل على صحة أنكحة الجاهلية كما قال عليه السلام في حديث آخر :"حتى أخرجني من بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط" وقد سبق نبذ من الكلام مما يتعلق بالمرام في أواخر سورة إبراهيم وحق المسلم أن يمسك لسانه عما يخل بشرف نسب نبينا عليه السلام ويصونه عما يتبادر منه النقصان خصوصاً إلى وهم العامة.
فإن قلت : كيف نعتقد في حق آباء النبي عليه السلام؟.


الصفحة التالية
Icon