جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٨
قلت : هذه المسألة ليست من الاعتقاديات فلا حظ للقلب منها وأما حظ اللسان فقد ذكرنا وذكر الحافظ السيوطي رحمه الله أن الذي للخلص أن أجداده عليه السلام من آدم إلى مرة بن كعب مصرح بإيمانهم أي في الأحاديث وأقوال السلف وبقي بين مرة وعبد المطلب أربعة
٣١٣
أجداد ولم أظفر فيهم بنقل وعبد المطلب الأشبه أنه لم تبلغه الدعوة لأنه مات وسنه عليه السلام ثمان سنين والأشهر أنه كان على ملة إبراهيم عليه السلام أي لم يعبد الأصنام كما سبق في سورة براءة.
﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ﴾ خطاب لكفار مكة وكانوا يقولون : إن الشياطين تتنزل على محمد فرد الله عليهم ببيان استحالة تنزلهم عليه بعد بيان امتناع تنزلهم بالقرآن.
والمعنى هل أخبركم أيها المشركون.
وبالفارسية :(آيا خبردهم شمارا).
﴿عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ﴾ أي : تتنزل بحذف إحدى التاءين وكلمة من تضمنت الاستفهام ودخل عليها حرف الجر وحق الاستفهام أن يصدر في الكلام فيقال : أعلى زيد مررت ولا يقال : على أزيد مررت ولكن تضمنه ليس بمعنى أنه اسم فيه معنى الحرف بل معناه أن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستعمل على بعد حذفه كما يقال في هل أصله أهل ومعناه أقد فإذا أدخلت حرف الجر على من فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك كأنك تقول أعلى من تنزل.
﴿تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ﴾ كثير الإفك والكذب.
قال الراغب : الإفك كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه.
﴿أَثِيمٍ﴾ كثير الإثم وهو اسم للأفعال المبطئة عن الثواب، أي تتنزل على المتصفين بالإفك والإثم الكثير من الكهنة والمتنبئة كمسيلمة وطليحة لأنهم من جنسهم وبينهم مناسبة بالكذب والافتراء والإضلال وحيث كانت ساحة رسول الله منزهة عن هذه الأوصاف استحال تنزلهم عليه.
﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾ الجملة في محل الجر على أنها صفة كل أفاك أثيم لكونه في معنى الجمع، أي يلقي الأفاكون الأذن إلى الشياطين فيتلقون منهم أوهاماً وأمارات لنقصان علمهم فيضمون إليها بحسب تخيلاتهم الباطلة خرافات لا يطابق أكثرها الواقع.
وبالفارسية :(فروميدارند كوش را بسخن شياطين وفرا ميكيرند ازايشان أخبار دروغ وديكر دروغها بآن أضافت ميكنند).
﴿وَأَكْثَرُهُمْ﴾ أي : الأفاكين ﴿كَـاذِبُونَ﴾ فيما قالوه من الأقاويل وليس محمد كذلك فإنه صادق في جميع ما أخبر من المغيبات والأكثر بمعنى الكل.
يعني (همه إيشان بصفت كذب موصوفند) كلفظ البعض في قوله :﴿وَلاحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ (آل عمران : ٥٠) أي كله وذلك كما استعملت القلة في معنى العدم في كثير من المواضع.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٨
وقال بعضهم : إن الأكثرية باعتبار الأقوال لا باعتبار الذوات حتى يلزم من نسبة الكذب إلى أكثرهم كون أقلهم صادقين وليس معنى الأفاك من لا ينطق إلا بالإفك حتى يمتنع منه الصدق بل من يكثر الإفك فلا ينافيه أن يصدق نادراً في بعض الأحيان.
وقال في "كشف الأسرار" : استثنى منهم بذكر الأكثر سطحياً وشقاً وسواد بن قارب الذين كانوا يلهجون بذكر رسول الله وتصديقه ويشهدون له بالنبوة ويدعون الناس إليه انتهى.
قال في "حياة الحيوان" : وأما شق وسطيح الكاهنان فكان شق شق إنسان له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة وكان سطيح ليس له عظم ولا بنان إنما كان يطوى كالحصير لم يدرك أيام بعثة رسول الله عليه السلام وكان في زمن الملك كسرى وهو ساسان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٨
﴿وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُانَ﴾ يعني : ليس القرآن بشعر ولا محمد بشاعر لأن الشعراء يتبعهم الضالون والسفهاء وأتباع محمد ليسوا كذلك بل هم الراشدون المراجيح الرزان وكان شعراء الكفار يهجون رسول الله وأصحابه ويعيبون الإسلام فيتبعهم سفهاء
٣١٤
العرب حيث كانوا يحفظون هجاءهم وينشدون في المجالس ويضحكون.
ومن لواحق هذا المعنى ما قال ابن الخطيب في "روضته" : ذهب جماعة من الشعراء إلى خليفة وتبعهم طفيلي فلما دخلوا على الخليفة قرأوا قصائدهم واحداً بعد واحد وأخذوا العطاء فبقي الطفيلي متحيراً فقيل له : اقرأ شعرك قال : لست أنا بشاعر وإنما أنا رجل ضال كما قال الله تعالى :﴿وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُانَ﴾ فضحك الخليفة كثيراً فأمر له بأنعام.
وقال بعضهم : معنى الآية أن الشعراء تسلك مسلكهم وتكون من جملتهم الضالون عن سنن الحق لا غيرهم من أهل الرشد.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الشعراء بحسب مقاماتهم ومطرح نظرهم ومنشأ قصدهم ونياتهم إذا سلكوا على أقدام التفكر مفاوز التذكر في طلب المعاني ونظمها وترتيب عروضها وقوافيها وتدبير تجنيسها وأساليبها تتبعهم الشياطين بالإغواء والإضلال ويوقعونهم في الأباطيل والأكاذيب.


الصفحة التالية
Icon