قال في "المفردات" : شعرت أصبت الشعر ومنه استعير شعرت كذا أي علمته في الدقة كإصابة الشعر.
قيل : وسمي الشاعر شاعراً لفطنته ودقة معرفته فالشعر في الأصل اسم للعلم الدقيق في قولهم : ليت شعري وصار في التعارف اسماً للموزون المقفى من الكلام والشاعر المختص بصناعته وقوله تعالى :﴿بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ (الأنبياء : ٥) حمله كثير من المفسرين على أنهم رموه بكونه آتياً بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا ما جاء في القرآن من كل لفظ يشبه الموزون من نحو وجفان كالجوابي وقدور راسيات.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٤
وقال بعض المحصلين : لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به وذلك أنه ظاهر من هذا الكلام أنه ليس على أساليب الشعر ولا يخفى ذلك على الأغتام من العجم فضلاً عن بلغاء العرب وإنما رموه بالكذب فإن الشعر يعبر به عن الكذب والشاعر الكاذب حتى سمى قوم الأدلة الكاذبة شعراً ولهذا قال تعالى في وصف عامة الشعراء :﴿وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُانَ﴾ إلى آخر السورة انتهى.
قال الإمام المرزوقي "شرح الحماسة" : تأخر الشعراء عن البلغاء لتأخر المنظوم عند العرب لأن ملوكهم قبل الإسلام وبعده يتبجحون بالخطابة ويعدونها أكمل أسباب الرياسة ويعدون الشعر دناءة لأن الشعر كان مكسبة وتجارة وفيه وصف اللئيم عند الطمع بصفة الكريم والكريم عند تأخر صلته بوصف اللئيم ومما يدل على شرف النثر أن الإعجاز وقع في النثر دون النظم لأن زمن النبي عليه السلام زمن الفصاحة.
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يا من شأنه الرؤية أي قد رأيت وعلمت ﴿إِنَّهُمْ﴾ أي الشعراء ﴿فِى كُلِّ وَادٍ﴾ من المدح والذم والهجاء والكذب والفحش والشتم واللعن والافتراء والدعاوى والتكبر والمفاخر والتحاسد والعجب والإراءة وإظهار الفضل والدناءة والخسة والطمع والتكدي والذلة والمهانة وأصناف الأخلاق الرذيلة والطعن في الأنساب والأعراض وغير ذلك من الآفات التي هي من توابع الشعر ﴿يَهِيمُونَ﴾ يقال هام على وجهه من باب باع هيماناً بفتحتين ذهب من العشق أو غيره كما في "المختار" أي يذهبون على وجوههم لا يهتدون إلى سبيل معين بل يتحيرون في أودية القيل والقال والوهم والخيال والغي والضلال.
قال الراغب : أصل الوادي الموضع الذي يسيل فيه الماء ومنه سمي المنفرج بين الجبلين وادياً ويستعار للطريقة
٣١٥
كالمذهب والأسلوب فيقال : فلان في واد غير واديك وقوله :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ﴾ فإنه يعني أساليب الكلام من المدح والهجاء والجدل والغزل وغير ذلك من الأنواع أي في كل نوع من الكلام يغلون.
قال في "الوسيط" : فالوادي مثل لفنون الكلام وهيمانهم فيه قولهم على الجهل بما يقولون من لغو وباطل وغلو في مدح أو ذم.
﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ﴾ في أشعارهم عند التصلف والدعاوى ﴿مَا لا يَفْعَلُونَ﴾ من الأفاعيل : يعني (بفسق ناكرده برخود كواهي ميدهند ويغا مهاي ناداده بكسى درسلك نظم ميكشند) ويرغبون في الجود ويرغبون عنه وينفرون عن البخل ويصرون عليه ويقدحون في الناس بأدنى شيء صدر عنهم، ثم إنهم لا يرتكبون إلا الفواحش وذلك تمام الغواية والنبي عليه السلام منزه عن ذلك متصف بمحاسن الأوصاف ومكارم الأخلاق مستقر على المنهاج القويم مستمر على الصراط المستقيم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين.
﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ﴾ ذكراً ﴿كَثِيرًا﴾ بأن كان أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله والحث على طاعته والحكمة والموعظة والزهد في الدنيا والترغيب في الآخرة أو بأن لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله ولم يجعلوه همهم وعادتهم.
قال أبو يزيد قدس سره : الذكر الكثير ليس بالعدد لكنه بالحضور.
﴿وَانتَصَرُوا﴾ (انتقام كشيدند از مشركان).
قال في "تاج المصادر" والانتصار (داد بستدن).
﴿مِنا بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ بالهجو لأن الكفار بدؤوهم بالهجاء يعني لو وقع منهم في بعض الأوقات هجو وقع بطريق الانتصار ممن هجاهم من المشركين كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وغيرهم فإنهم كانوا يذبون عن عرض النبي عليه السلام، وكان عليه السلام يضع لحسان منبراً في المسجد فيقوم عليه يهجو من كان يهجو رسول الله.
قال الكمال الأصفهاني :
هجا كفتن اره سنديده نيست
مباداكسي كالت آن ندارد
و رن شاعري كوهجا كونباشد
وشيري كه نكال ودندان ندارد
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه عليه السلام قال :"اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل" وفي الحديث :"جاهدوا المشركون بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" أي أسمعوهم ما يكرهونه ويشق عليهم سماعه من هجو وكلام غليظ ونحو ذلك.


الصفحة التالية
Icon