واعلم أن أهل الدنيا في خسارة الآخرة وأهل الآخرة في خسارة المولى فمن لم يلتفت إلى الكونين ريح المولى ولما وجد أبو يزيد البسطامي قدس سره في البادية قحف رأس مكتوب عليه خسر الدنيا والآخرة بكى وقبله وقال هذا رأس صوفي فمن وجد المولى وجد الكل ومن وجد الكل بدون وجدان المولى لم يجد شيئاً مفيداً وضاع وقته.
وقال الحافظ :
أوقات خوش آن بودكه بادوست بسر رفت
باقي همه بي حاصل وبيخبري بود
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٩
قال بعض العارفين : كوشفت بأربعين حوراء رأيتهن يتساعين في الهواء عليهن ثياب من فضة وذهب وجوهر فنظرت إليهن نظرة فعوقبت أربعين يوماً ثم كوشفت بعد ذلك بثمانين حوراء فوقهن في الحسن والجمال وقيل لي : انظر إليهن فسجدت وغضضت عيني في السجود وقلت : أعوذ بك مما سواك لا حاجة لي بهذا ولم أزل أتضرع حتى صرفهن عني فهذا حال العارفين حيث لا يلتفتون إلى ما سوى الله تعالى ويكونون عمياً عن عالم الملك والملكوت.
وأما الغافلون الجاهلون فبحبهم ما سواه تعالى عميت عيون قلوبهم وصمت آذانها فإنه لا يكون
٣١٩
في عالم المعنى إلا ويكون أصم وأبكم وإليه الإشارة بقوله عليه السلام :"حبك الشيء يعمي ويصم" بخلاف أعمى الصورة فإن سمعه بحاله في سماع الدعوة وقبولها.
فعى العاقل أن يجتنب عن الأعمال القبيحة المؤدية للرين والردى والأخلاق الرذيلة الموجبة للعمه والعمى بل يتسارع إلى العمل بالقرآن الهادي إلى وصول المولى والناهي عن الخسران مطلقاً وعن الأعمال الصالحة والصلاة.
وإنما شرعت لمناجاة الحق بكلامه حال القيام دون غيره من أحوال الصلاة للاشتراك في القيومية ولهذا كان من أدب الملوك إذا كلمهم أحد من رعيتهم أن يقوم بين أيديهم ويكلمهم ولا يكلمهم جالساً فتبع الشرع في ذلك العرف.
ومن آداب العارف إذا قرأ في صلاته المطلقة أن لا يقصد قراةء سورة معينة أو آية معينة وذلك لأنه لا يدري أين يسلك به ربه من طريق مناجاته فالعارف بحسب ما يناجيه به من كلامه وبحسب ما يلقي الله الحق في خاطره وكل صلاة لا يحصل منها حضور قلب فهي ميتة لا روح فيها وإذا لم يكن فيها روح فلا تأخذ بيد صاحبها يوم القيامة.
ومن الأعمال الصالحة المذكورة الزكاة والصدقة وأفضلها ما يعطى حال الصحة دون مرض الموت وينبغي لمن قرب أجله وأراد أن يعطي شيئاً أن يحضر في نفسه أنه مؤد أمانة لصاحبها فيحشر مع الأمناء المؤدين أمانتهم لا مع المتصدقين لفوات محل الأفضل فهذه حيلة في ربح التجارة في باب الصدقة وفي الإنفاق زيادة للمال وتكثير له وإطالة لفروعه كالحبوب إذا زرعت.
﴿وَإِنَّكَ﴾ يا محمد ﴿لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ﴾ لتعطاه بطريق التلقية والتلقين يقال : تلقى الكلام من فلان ولقنه إذا أخذه من لفظه وفهمه.
قال في "تاج المصادر" : التلقية (يزي يش كسى وآوردن) وقد سبق الفرق بين التلقي والتلقف والتلقن في سورة النور.
﴿مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ بواسطة جبريل لا من لدن نفسك ولا من تلقاء غيرك كما يزعم الكفار.
ولدن بمعنى عند إلا أنه أبلغ منه وأخص وتنوين الاسمين للتعظيم أي حكيم أي حكيم وعليم أي عليم وفي تفخيمهما تفخيم لشأن القرآن وتنصيص على طبقته عليه السلام في معرفته والإحاطة بما فيه من الجلائل والدقائق فإن تلقي الحكم والعلوم من مثل ذلك الحكيم العليم يكون علماً في رصانة العلم والحكمة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٩
قال بعض العارفين : كوشفت بأربعين حوراء رأيتهن يتساعين في الهواء عليهن ثياب من فضة وذهب وجوهر فنظرت إليهن نظرة فعوقبت أربعين يوماً ثم كوشفت بعد ذلك بثمانين حوراء فوقهن في الحسن والجمال وقيل لي : انظر إليهن فسجدت وغضضت عيني في السجود وقلت : أعوذ بك مما سواك لا حاجة لي بهذا ولم أزل أتضرع حتى صرفهن عني فهذا حال العارفين حيث لا يلتفتون إلى ما سوى الله تعالى ويكونون عمياً عن عالم الملك والملكوت.
وأما الغافلون الجاهلون فبحبهم ما سواه تعالى عميت عيون قلوبهم وصمت آذانها فإنه لا يكون
٣١٩