﴿فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ﴾ الفاء فصيحة تفصح عن جملة محذوفة كأنه قيل : فألقاها فانقلبت حية تسعى فلما أبصرها تتحرك بحركة شديدة وتذهب إلى كل جانب حال كونها.
﴿كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ حية خفيفة سريعة فشبه الحية العظيمة المسماة بالفارسية (ادها) بالجان في سرعة الحركة والالتواء والجان ضرب من الحيات أي حية كحلاء العين لا تؤذي كثيرة في الدور كما في "القاموس".
وقال أبو الليث : الصحيح أن الثعبان كان عند فرعون والجان عند الطور وفيه إشارة إلى أن كل متوكأ غير الله في الصورة ثعبان له في المعنى ولهذا جاء في "المثنوي" :
٣٢٢
هر خيالي كوكند دردل وطن
رز محشر صورتي خواهد شدن
﴿وَلَّى﴾ رجع وأعرض موسى.
وبالفارسية (روى بكردانيد).
﴿مُدْبِرًا﴾ (در حالتي كه كريزان بود از خوف).
قال في "كشف الأسرار" : أدبر عنها وجعلها تلي ظهره.
﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ ولم يرجع على عقبه من عقب المقاتل إذا كرّ بعد الفرّ وإنما اعتراه الرعب لظنه أن ذلك الأمر أريد به هلاك نفسه ويدل عليه قوله : يا مُوسَى} أي قيل له : يا موسى ﴿لا تَخَفْ﴾ أي : من غيري ثقة بي أو مطلقاً لقوله :﴿إِنِّى لا يَخَافُ لَدَىَّ﴾ عندي ﴿الْمُرْسَلُونَ﴾ فإنه يدل على نفي الخوف عنهم مطلقاً لكن لا في جميع الأوقات بل حين يوحى إليهم بوقت الخطاب فإنهم حينئذ مستغرقون في مطالعة شؤون الله لا يخطر ببالهم خوف من أحد أصلاً وأما سائر الأحيان فهم أخوف الناس منه سبحانه أو لا يكون لهم عند سوء عاقبة فيخافون منه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٢
وفي "التأويلات النجمية" : يعني من فر إلى الله عما سواه يؤمنه الله مما سواه ويقول له : لا تخف فإنك لدي ولا يخاف لدي من غيري القلوب المنورة الملهمة المرسلة إليها الهدايا والتحف من الطافي.
وفي "عرائس البيان" : لا تخف من الثعبان فإن ما ترى ظهور تجلي عظمتي ولا يخاف من مشاهدة عظمتي وجلالي في مقام الالتباس المرسلون فإنهم يعلمون أسرار ربوبيتي ولما علم أن موسى كان مستشعراً حقيقة من قتله القبطي قال تعريضاً به :
﴿إِلا مَن ظَلَمَ﴾ استثناء منقطع أي لكن من ظلم نفسه من المرسلين بذنب صدر منه كآدم ويونس وداود وموسى وتعبير الظلم لقول آدم ربنا ظلمنا أنفسنا وموسى رب إني ظلمت نفسي.
﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنَا بَعْدَ سُواءٍ﴾ (س بدل كند وبجاي آرد نيكويي بعد ازبدي يعني توبه كند بعد ازكناه).
﴿فَإِنِّى غَفُورٌ﴾ للتائبين ﴿رَّحِيمٌ﴾ مشفق عليهم.
اختلفوا في جواز الذنب على الأنبياء وعدمه قال الإمام والمختار : عندنا أنه لم يصدر عنهم ذنب حال النبوة لا الصغير ولا الكبير وترك الأولى منهم كالصغيرة منا لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وفي "الفتوحات" اعلم أن معاصي الخواص ليست كمعاصي غيرهم بحكم الشهوة الطبيعية وإنما تكون معاصيهم بالخطأ في التأويل وإيضاح ذلك أن الحق تعالى إذا أراد إيقاع المخالفة من العارف بالله زين له الوقوع في ذلك العمل بتأويل ؛ لأن معرفة العارف تمنعه من الوقوع في المخالفة دون تأويل يشهد فيه وجه الحق فإن العارف لا يقع في انتهاك الحرمة أبداً ثم إذا وقع في ذلك المقدور بالتزيين، أو التأويل يظهر له تعالى فساد ذلك التأويل الذي أداه إلى ذلك الفعل كما وقع لآدم عليه السلام فإنه عصى بالتأويل فعند ذلك يحكم العارف على نفسه بالعصيان كما حكم عليه بذلك لسان الشريعة وكان قبل الوقوع غير عاص لأجل شبهة التأويل كما أن المجتهد في زمان فتواه بأمر ما اعتقاداً منه أن ذلك عين الحكم المشروع في المسألة لا يوصف بخطأ ثم في ثاني الحال إذا ظهر له بالدليل أنه أخطأ حكم عليه لسان الظاهر أنه أخطأ في زمان ظهور الدليل لا قبل ذلك فعلم أنه يمكن لعبد أن يعصي ربه على الكشف من غير تأويل أو تزيين أو غفلة أونسيان أبداً وأما قول أبي يزيد قدس سره لما قيل له أيعصي العارف الذي هو من أهل الكشف؟ فقال : نعم وكان أمر الله قدراً مقدوراً فلا ينافي ذلك أي لأن من أدب العارفين أن لا يحكموا عليه بتقييد كأنه يقول : إن كان الحق تعالى قدر عليهم في سابق علمه بشيء فلا بد
٣٢٣
من وقوعه وإذا وقع فلا بد له من حجاب أدناه التأويل أو التزيين فاعلم ذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٢