﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ﴾ (در آردست خودرا دركريبان يرهن خود) ولم يقل في كمك لأنه كان عليه مدرعة من صوف لا كم لها ولا أزرار فكانت يده الكريمة مكشوفة فأمر بإدخال يده في مدرعته وهي جبة صغيرة يتدرع بها أي تلبس بدل الدرع وهو القميص ﴿تَخْرُجْ﴾ حال كونها ﴿بَيْضَآءَ﴾ براقة لها شعاع كشعاع الشمس أي إن أدخلتها تخرج على هذه الصفة ﴿مِنْ غَيْرِ سُواءٍ﴾ أي آفة كبرص ونحوه.
﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هما داخلتان في جملتها فتكون الآيات تسعاً بالعصا واليد وهنّ العصا واليد البيضاء والجدب في البوادي ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.
﴿إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ أي : حال كونك مبعوثاً إليه ﴿وَقَوْمِهِ﴾ القبط ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَـاسِقِينَ﴾ تعليل للبعث، أي خارجين عن الحدود في الكفران والعدوان.
﴿فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ءَايَاتُنَا﴾ التسع بأن جاءهم موسى بها وظهرت على يده حال كونها.
﴿مُبْصِرَةً﴾ مستنيرة واضحة اسم فاعل أطلق على المفعول إشعاراً بأنها لفرط إنارتها ووضوحها للأبصار بحيث تكاد تبصر نفسها لو كانت مما يبصر.
﴿قَالُوا هَـاذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ واضح سحريته.
يعني (همه كس داندكه اين سحر است).
﴿وَجَحَدُوا بِهَا﴾ كذبوا بألسنتهم كونها آيات إلهية.
والجحود إنكار الشيء بعد المعرفة والإيقان تعنتاً وأريد هنا التكذيب لئلا يلزم استدراك قوله :﴿وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ﴾ الواو للحال.
والاستيقان :(بي كما ن شدن) أي وقد علمتها أنفسهم أي قلوبهم وضمائرهم علماً يقيناً أنها من عند الله وليست بسحر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٤
قال أبو الليث : وإنما استيقنتها قلوبهم لأن كل آية رأوها استغاثوا بموسى وسألوا منه بأن يكشف عنهم فكشف عنهم فظهر لهم بذلك أنها من الله تعالى.
﴿ظُلْمًا﴾ نفسانياً علة لجحدوا ﴿وَعُلُوًّا﴾ إباء واستكباراً شيطانياً.
﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ﴾ (س بنكر يا محمد كه كونه بود) ﴿عَـاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ وهو الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة.
وبالفارسية :(عاقبت كار تباه كاران كه در دنيا بآب غرقه شدند ودر عقبى بآتش خواهند سوخت).
هم حالت مفسدان خوش است
سر انجام أهل فساد آتش است
وفي هذا تمثيل لكفار قريش إذ كانوا مفسدين مستعلين فمن قدر على إهلاك فرعون كان قادراً على إهلاك من هو على صفته وذلك إلى يوم القيامة فإن جلال الله تعالى دائم للأعداء كما أن جماله باق للأولياء مستمر في كل عصر وزمان.
فعلى العاقل أن يتعظ بحال غيره ويترك الأسباب المؤدية إلى الهلاك مثل الظلم والعلو الذي هو من صفات النفس الأمارة ويصلح حاله بالعدل والتواضع وغير ذلك مما هو من ملكات القلب.
والإشارة في الآية إلى أن الذين أفسدوا استعداد الإنسانية لقبول الفيض الإلهي بلا واسطة كان عاقبتهم أنهم نزلوا منازل الحيوانات من الأنعام والسباع وقرنوا مع الشياطين في الدرك الأسفل من النار، فانظر إلى أن الارتقاء إلى السؤدد صعب والانحطاط إلى الدناءة سهل إذ النفس والطبيعة كالحجر المرمي إلى الهواء تهوي إلى الهاوية فإذا اجتهد المرء في تلطيفها بالمجاهدات والرياضات تشرف
٣٢٤
بالارتقاء في الدرجات وتخلص من الانحطاط إلى الدركات.
قال الحافظ :
بال بكشا وصفير از شجر طوبى زن
حيف باشد و تومرغي كه أسير قفسي
فما أقبح المرء أن يكون حسن جسمه باعتبار قبح نفسه كجنة يعمرها يوم وصرمة يحرسها ذئب وأن يكون اعتباره بكثرة ماله وحسن أثاثه كثور عليه حلي ففضل الإنسان بالهمم العالية والاتباع بالحق والأدب والعقل الذي يعقله عن الوقوع في الورطات بارتكاب المنهيات نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من القابلين لإرشاده والعاملين بكتابه المحفوظين عن عذابه المغبوطين بثوابه.
﴿وَلَقَدْ﴾ أي وبالله قد ﴿ءَاتَيْنَا﴾ أعطينا ﴿دَاوُادَ وَسُلَيْمَـانَ﴾ أي : كل واحد منهما.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٤


الصفحة التالية
Icon