قال في "مشكاة الأنوار" : قالت نملة لسليمان عليه السلام : يا نبي الله أتدري لم صار اسم أبيك داود واسمك سليمان؟ قال : لا قالت : لأن أباك داوى قلبه عن جراحة الالتفات إلى غير الله فوّد وأنت سليم تصغير سليم آن لك أي حان لك أن تلحق بأبيك.
﴿عِلْمًا﴾ أي : طائفة من العلم لائقة به من علم الشرائع والأحكام وغير ذلك مما يختص بكل منهما كصنعة لبوس وتسبيح الجبال ومنطق الطير والدواب فإن الله تعالى علم سبعة نفر سبعة أشياء : علم آدم أسماء الأشياء فكان سبباً في حصول السجود والتحية، وعلم الخضر علم الفراسة فكان سبباً لأن وجد تلميذاً مثل موسى ويوشع.
وعلم يوسف التعبير فكان سبباً لوجدان الأهل والمملكة، وعلم داود صنعة الدروع فكان سبباً لوجدان الرياسة والدرجة، وعلم سليمان منطق الطير فكان سبباً لوجدان بلقيس.
وعلم عيسى الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل فكان سبباً لزوال التهمة عن الشر، وعلم محمداً صلى الله عليه وسلّم الشرع والتوحيد فكان سبباً لوجود الشفاعة.
وقال الماوردي : المراد بقوله :﴿عِلْمًا﴾ علم الكيمياء وذلك لأنه من علوم الأنبياء والمرسلين والأولياء العارفين كما قال حضرة مولانا قدس سره الأعلى :
از كرامات بلند أوليا
أولا شعرست وآخر كيميا
والكيمياء في الحقيقة القناعة بالموجود وترك التشوف إلى المفقود :
كيميايى ترا كنم تعليم
كه دراكسير ودر صناعت نيست
رو قناعت كزين كه در عالم
كيميايي به از قناعت نيست
قال في "كشف الأسرار" :(داود أز أنبياء بني إسرائيل بيود از فرزندان يهودا بن يعقوب وروز كاروي بعد از روز كار موسى بود بصد هفتاد ونه سال وملك وي بعد از ملك طالوت بود وبني إسرائيل همه يتبع وي شدند وملك بروي مستقيم كشت إينست رب العالمين كفت.
﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾ (ص : ٢٠) هرشب سي وهزار مرد از بزركان بني إسرائيل اورا حارس بودند وباوي ملك علم بود ونبوت نانكه كفت جل جلاله ﴿ءَاتَيْنَا دَاوُادَ وَسُلَيْمَـانَ عِلْمًا﴾ وحكم كه راندند وعمل كه كردند از احكام توراة كردنكه كتاب وي زبور همه موعظت بود دران أحكام أمر ونهى نبود).
قال ابن عطاء قدس سره :﴿عِلْمًا﴾ أي علماً بربه وعلماً بنفسه وأثبت لهما علمهما بالله علم أنفسهما وأثبت لهما علمهما بأنفسهما حقيقة العلم بالله لذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٤
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه :"من عرف نفسه فقد عرف ربه".
٣٢٥
بروجود خداي عز وجل
هست نفس توحجت قاطع
ون بداني تونفس را داني
كوست مصنوع وايزدش صانع
واعلم أن العلم علمان علم البيان وهو ما يكون بالوسائط الشرعية وعلم العيان وهو ما يستفاد من الكشوفات الغيبية فالمراد بقوله عليه السلام :"سائل العلماء وخالط الحكماء وجالس الكبراء" أي : سائل العلماء بعلم البيان فقط عند الاحتياج إلى الاستفتاء منهم وخالط العلماء بعلم العيان فقط وجالس الكبراء بعلم البيان والأحكام وعلم المكاشفة والأسرار فأمر بمجالستهم لأن في تلك المجالسة منافع الدنيا والآخرة.
توخود بهتري جوي وفرصت شمار
كه باون خودي كم كنى روزكار
﴿وَقَالا﴾ أي : كل واحد منهما شكراً لما أوتيه من العلم ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا﴾ بما آتانا من العلم.
﴿عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ على أن عبارة كل منهما فضلني إلا أنه عبر عنهما عند الحكاية بصيغة المتكلم مع الغير إيجازاً وبهذا ظهر حسن موقع العطف بالواو إذ المتبادر من العطف بالفاء ترتب حمد كل منهما على إيتاء ما أوتي كل منهما لا على إيتاء ما أوتي نفسه فقط.
وقال البيضاوي : عطفه بالواو إشعاراً بأن ما قالاه بعض ما أتيا به في مقابلة هذه النعمة كأنه قال : ففعلا شكراً له ما فعلا وقالا الحمد إلخ انتهى والكثير المفضل عليه من لم يؤت مثل علمهما لا من لم يؤت علماً أصلاً فإنه قد بين الكثير بالمؤمنين وخلوهم من العلم بالكلية مما لا يمكن وفي تخصيصهما الكثير بالذكر رمز إلى أن البعض متفضلون عليهما.
وفيه أوضح دليل على فضل العلم وشرف أهله حيث شكرا على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه ما أوتيا من الملك الذي لم يؤته غيرهما وتحريض للعلماء على أن يحمدوا الله تعالى على ما آتاهم من فضله ويتواضعوا ويعتقدوا أنهم وإن فضلوا على كثير فقد فضل عليهم كثير وفوق كل ذي علم عليم ونعم ما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كل الناس أفقه من عمر.