وفي الآية إشارة إلى داود الروح وسليمان القلب وعلمهما الإلهام الرباني وعلم الأسماء الذي علم الله آدم عليه السلام وحمدهما على ما فضلهما على الأعضاء والجوارح المستعملة في العبودية فإن شأن الأعضاء العبودية والعمل وشأن الروح والقلب العلم والمعرفة وهو أصل.
وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن أفضل الأعمال فقال :"العلم بالله والفقه في دينه" وكررهما عليه فقال : يا رسول الله أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم فقال :"إن العلم ينفعك معه قليل العمل وإن الجهل لا ينفعك معه كثير العمل" والمتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يقطع المسافة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٤
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه :"من عرف نفسه فقد عرف ربه".
٣٢٥
بروجود خداي عز وجل
هست نفس توحجت قاطع
ون بداني تونفس را داني
كوست مصنوع وايزدش صانع
واعلم أن العلم علمان علم البيان وهو ما يكون بالوسائط الشرعية وعلم العيان وهو ما يستفاد من الكشوفات الغيبية فالمراد بقوله عليه السلام :"سائل العلماء وخالط الحكماء وجالس الكبراء" أي : سائل العلماء بعلم البيان فقط عند الاحتياج إلى الاستفتاء منهم وخالط العلماء بعلم العيان فقط وجالس الكبراء بعلم البيان والأحكام وعلم المكاشفة والأسرار فأمر بمجالستهم لأن في تلك المجالسة منافع الدنيا والآخرة.
توخود بهتري جوي وفرصت شمار
كه باون خودي كم كنى روزكار
﴿وَقَالا﴾ أي : كل واحد منهما شكراً لما أوتيه من العلم ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا﴾ بما آتانا من العلم.
﴿عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ على أن عبارة كل منهما فضلني إلا أنه عبر عنهما عند الحكاية بصيغة المتكلم مع الغير إيجازاً وبهذا ظهر حسن موقع العطف بالواو إذ المتبادر من العطف بالفاء ترتب حمد كل منهما على إيتاء ما أوتي كل منهما لا على إيتاء ما أوتي نفسه فقط.
وقال البيضاوي : عطفه بالواو إشعاراً بأن ما قالاه بعض ما أتيا به في مقابلة هذه النعمة كأنه قال : ففعلا شكراً له ما فعلا وقالا الحمد إلخ انتهى والكثير المفضل عليه من لم يؤت مثل علمهما لا من لم يؤت علماً أصلاً فإنه قد بين الكثير بالمؤمنين وخلوهم من العلم بالكلية مما لا يمكن وفي تخصيصهما الكثير بالذكر رمز إلى أن البعض متفضلون عليهما.
وفيه أوضح دليل على فضل العلم وشرف أهله حيث شكرا على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه ما أوتيا من الملك الذي لم يؤته غيرهما وتحريض للعلماء على أن يحمدوا الله تعالى على ما آتاهم من فضله ويتواضعوا ويعتقدوا أنهم وإن فضلوا على كثير فقد فضل عليهم كثير وفوق كل ذي علم عليم ونعم ما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كل الناس أفقه من عمر.
وفي الآية إشارة إلى داود الروح وسليمان القلب وعلمهما الإلهام الرباني وعلم الأسماء الذي علم الله آدم عليه السلام وحمدهما على ما فضلهما على الأعضاء والجوارح المستعملة في العبودية فإن شأن الأعضاء العبودية والعمل وشأن الروح والقلب العلم والمعرفة وهو أصل.
وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن أفضل الأعمال فقال :"العلم بالله والفقه في دينه" وكررهما عليه فقال : يا رسول الله أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم فقال :"إن العلم ينفعك معه قليل العمل وإن الجهل لا ينفعك معه كثير العمل" والمتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يقطع المسافة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٤
قال فتح الموصلي قدس سره : أليس المريض إذا منع عنه الطعام والشراب والدواء يموت فكذا القلب إذا منع عنه العلم والفكر والحكمة يموت ثم إن الامتلاء من الأغذية الظاهرة يمنع التغذي بالأغذية الباطنة كما قال الشيخ سعدي رحمه الله :(عابدي حكايت كنندكه هرشب ده من طعام بخوردي وتابسحر ختمي درنماز بكردي صاحب دلي بشنيد وكفت اكر نيم نان بخوردي وبختفي بسياء ازين فاضلتر بودي).
٣٢٦
اندرون از طعام خالي دار
تادرو نور ومعرفت بيني
نهى از حكمتي بعلت آن
كه رى از طعام تابيني
وكذا العجب والكبر يمنع النور والصفاء كما قال في "البستان" :
تراكي بود ون راغ التهاب
كه از خود رى همو قنديل از آب
فإذا أصلح المرء ظاهره بالشريعة وباطنه بالطريقة كان مستعداً لفيض العلم الذي أوتوه الأنبياء والأولياء وفضلوا بذلك على مؤمني زمانهم وهذا التفضيل سبب لمزيد الحمد والشكر تعالى فإن الثناء بقدر الموهبة والعطية، نحمد الله تعالى على آلائه ونعمائه ونستزيد العلم وقطراته من دأمائه ونسأله التوفيق في طريق التحقيق والثبات على العمل الصالح بالعلم النافع الذي هو للهوى قامع وللشهوات دافع إنه المفضل المنعم الكبير والوهاب الفياض الرحيم.


الصفحة التالية
Icon