وفي "الوسيط" : لهو الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا قاله على سبيل الشكر والحمد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" أي أقول هذا القول شكراً لا فخراً.
قيل : أعطي سليمان ما أعطي داود وزيد له تسخير الجن والريح وفهم نطق الطير وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة التي يتمنع بها الناس وملك سبعمائة سنة وستة أشهر.
ولما تولى الملك جاءه جميع الحيوانات يهنئونه إلا نملة واحدة فجاءت تعزيه فعاتبها النمل في ذلك فقالت : كيف أهنيه وقد علمت أن الله إذا أحب عبداً زوى عنه الدنيا وحبب إليه الآخرة وقد شغل سليمان بأمر لا يدري ما عاقبته فهو بالتعزية أولى من التهنئة ذكره السيوطي في "فتاواه".
قال عمر رضي الله عنه للنبي عليه السلام : أخبرني عن هذا السلطان الذي ذلت له الرقاب وخضعت له الأجساد ما هو؟ فقال :"ظل الله في الأرض فإذا أحسن فله الأجر وعليكم الشكر وإذا أساء فعليه الإصر وعليكم الصبر".
وسأل يزدرد حكيماً : ما صلاح الملك؟ قال : الرفق بالرعية وأخذ الحق منها بغير عنف والتودد إليها بالعدل وأمن السبل وإنصاف المظلوم.
قال الشيخ سعدي :
رعيت نشايد ببيداد كشت
كه مر سلطنت را ناهند وبشت
مراعاة دهقان كن از بهر خويش
كه مزدور خوشدل كند كاربش
﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَـانَ جُنُودُهُ﴾ الحشر إخراج الجماعة من مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب وغيرها فلا يقال : الحشر إلا في الجماعة كما في "المفردات".
والحشر (كردكردن) كما في "التاج" والجنود
٣٣١
جمع الجند يقال للعسكر الجند اعتباراً بالغلظ من الجند للأرض الغليظة التي فيها حجارة ثم يقال لكل مجتمع جند نحو الأرواح جنود مجندة.
قال في "كشف الأسرار" : الجند لا يجمع وإنما قال : جنوده لاختلاف أجناس عساكره.
﴿مِنَ الْجِنِّ وَالانسِ وَالطَّيْرِ﴾ فكل جنس من الخلق جند على حدة قال تعالى :﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ﴾ (المدثر : ٣١) فالبعوض لنمرود جند والأبابيل لأصحاب الفيل جند والهدهد لعسكر عوج جند؟ والعنكبوت والحمامة لرسول الله عليه السلام جند وعلى هذا والمعنى أخرج لسليمان وجمع له عساكره في مسير وسفر كان له من الشام إلى طرف اليمن.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٤
وفي "فتح الرحمن" : من اصطخر إلى اليمن واصطخر بكسر الهمزة وفتح الطاء بلدة من بلاد فارس كانت دار السلطنة لسليمان عليه السلام من الجن والإنس والطير بمباشرة الرؤساء من كل جنس لأنه كان إذا أراد سفراً أمر فجمع له طوائف من هؤلاء الجنود وتقديم الجن للمسارعة إلى الإيذان بكمال قوة ملكه من أول أمر لما أن الجن طائفة طاغية بعيدة من الحشر والتسخير.
﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ الوزع بمعنى الكف والمنع عن التفرق والانتشار والوازع الذي يكف الجيش عن التفرق والانتشار ويكف الرعية عن التظالم والفساد وجمعه وزعة.
والمعنى يحبس أوائلهم على أواخرهم ليتلاحقوا ويجتمعوا ولا ينتشروا كماهو حال الجيش الكثير وكان لكل صنف من جنوده وزعة ومنعة ترد أولاهم على أخراهم صيانة من التفرق.
(ودرين أشارت هست كه إيشان باوجود كثرت عدد مهمل وبريشان نبودند بلكه ضبط وربط إيشان بمرتبه بودكه هيكس ازلشكريان از مقر مقرر خود يش وس نتوانستي رفت) ويجوز أن يكون ذلك لترتيب الصفوف كما هو المعتاد كما قال في "المختار" : الوازع الذي يتقدم الصف فيصلحه ويقدم ويؤخر وتخصيص حبس أوائلهم بالذكر دون سوق أواخرهم مع أن التلاحق يحصل بذلك أيضاً لما أن أواخرهم غير قادرين على ما يقدر عليه أوائلهم من السير السريع وهو إذا لم يسيرهم بتسيير الريح في الجو.
وفي "كشف الأسرار" :﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ أي يكفون عن الخروج والطاعة ويحبسون عليها وهو قوله تعالى :﴿وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ (سبأ : ١٢) انتهى.
روي : أن معسكره عليه السلام كان مائة فرسخ في مائة خمسة وعشرون للإنس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للطير وخمسة وعشرون للوحش وكان له ألف بيت من القوارير مصنوعة على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة سبعمائة سرية وقد نسجت له الجن بساطاً من ذهب وإبريسم فرسخاً في فرسخ وكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب فيقعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة فتقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر ـ ويروى ـ أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله ويأمر الرخاء تسيره فأوحى الله تعالى إليه وهو يسير بين السماء والأرض إني قد زدت في ملكك أن لا يتكلم بشيء إلا ألقته الريح في سمعك فيحكى أنه مرّ بحراث فقال : لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً فألقته الريح في أذنه فنزل ومشى إلى الحراث وقال : إنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر
٣٣٢