عليه ثم قال : لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتي آل داود ومرج سليمان بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلّم فقال : هذه دار هجرة نبي في آخر الزمان طوبى لمن آمن به وطوبى لمن اتبعه وطوبى لمن اقتدى به.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٤
﴿حَتَّى﴾ ابتدائية وغاية للسير المنبىء عنه قوله :﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ كأنه قيل فساروا حتى ﴿إِذَآ أَتَوْا﴾ أشرفوا ﴿عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ وأتوه من فوق.
وقال بعضهم : تعدية الفعل بكلمة على لما أن المراد بالإتيان عليه قطعه من قولهم أتى على الشيء إذا أنفده وبلغ آخره ولعلهم أرادوا أن ينزلوا عند منتهى الوادي إذ حينئذ يخافهم ما في الأرض لا عند مسيرهم في الهواء كما في "الإرشاد" وسيجيء غير هذا.
والوادي الموضع الذي يسيل في الماء.
والنمل معروف الواحدة نملة.
بالفارسية (مور) سميت نملة لتنملها وهي كثرة حركتها وقلة قوائمها ومعنى وادي النمل وادٍ يكثر فيه النمل كما يقال : بلاد الثلج يكثر فيه الثلج والمراد هنا واد بالشام أو بالطائف كثير النمل والمشهور أنه النمل الصغير وقيل : كان نمل ذلك المكان كالذئاب والبخاتي ولذا قال بعضهم : في وادي النمل هو واد يسكنه الجن والنمل مراكبهم.
﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يا اأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَـاكِنَكُمْ﴾ جواب إذا كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرت منهم فصاحت صيحة نبهت بها سائر النمال الحاضرة فتبعتها في الفرار فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم ولذلك أجروا مجراهم حيث جعلت هي قائلة وما عداها من النمل مقولاً لهم مع أنه لا يمتنع أن يخلق الله فيها النطق وفيما عداها العقل والفهم.
وكانت نملة عرجاء لها جناحان في عظم الديك أو النعجة أو الذئب وكانت ملكة النمل.
يعني :(مهتر مور كان آن وادي بود) واسمها منذرة أو طاخية أو جرمى سميت بهذا الاسم في التوراة أو في الإنجيل أو في بعض الصحف الإلهية سماها الله تعالى بهذا الاسم وعرفها به الأنبياء قبل سليمان وخصت بالتسمية لنطقها وإلا فكيف يتصور أن يكون للنملة اسم علم والنمل لا يسمي بعضهم بعضاً ولا يتميز للآدميين صورة بعضهم من بعض حتى يسمونهم ولا هم واقعون تحت ملك بني آدم كالخيل والكلاب ونحوهما كما في كتاب "التعريف والأعلام" للسهيلي رحمه الله.
ونملة مؤنث حقيقي بدليل لحوق علامة التأنيث فعلها لأن نملة تطلق على الذكر والأنثى فإذا أريد تمييزها احتيج إلى مميز خارجي نحو نملة ذكر ونملة أنثى وكذلك لفظة حمامة ويمامة من المؤنثات اللفظية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٣
ذكر الإمام أن قتادة دخل الكوفة فالتفت عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم وكان أبو حنيفة حاضراً وهو غلام حدث فقال : سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكراً أم أنثى فسألوه فأفحم فقال أبو حنيفة : كانت أنثى فقيل له : من أين عرفت؟ فقال : من كتاب الله وهو قوله :﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾ ولو كان ذكراً لقال : قال نملة وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي ولا يجوز أن يقال : قامت طلحة ولا حمزة.
﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ لا يكسرنكم فإن الحطم هو الكسر وسمي حجر الكعبة الحطيم لأنه كسر منها ﴿سُلَيْمَـانُ وَجُنُودُهُ﴾ الجملة استئناف أو بدل من الأمر لا جواب له فإن النون لا تدخله في السعة وهو نهي لهم عن الحطم والمراد نهيها عن التوقف والتأخر في دخول مساكنهم بحيث يحطمونها : يعني :(بحيثيتي كه عرضه تلف شوند).
فإن قلت :
٣٣٣
بم عرفت النملة سليمان؟.
قلنا : كانت مأمورة بطاعته فلا بد أن تعرف من أمرت بطاعته ولها من الفهم فوق هذا فإن النمل تعرف كثيراً من منافعها من ذلك أنها تكسر الحبة قطعتين لئلا تنبت إلا الكزبرة فإنها تكسرها أربع قطع لأنها تنبت إذا كسرت قطعتين وإذا وصلت النداوة إلى الحبة تخرجها إلى الشمس من حجرها حتى تجف.
قال في "حياة الحيوان" : النمل لا يتلاحق ولا يتزاوج إنما يسقط مه شيء حقير في الأرض فينمو حتى يصير بيظاً ثم يتكون منه والبيض كله بالضاد إلا بيظ النمل فإنه بالظاء.
﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ حال من فاعل يحطمنكم أي والحال أنهم لا يشعرون أنهم يحطمونكم إذ لو شعروا لم يفعلوا أي أن من عدل سليمان وفضله وفضل جنوده أنهم لا يحطمون نملة فما فوقها إلا أن لا يشعروا كأنها شعرت عصمة الأنبياء من الظلم والأذى الأعلى سبيل السهو نظير قول النملة في جند سليمان وهم لا يشعرون قول الله تعالى في جند محمد عليه السلام.
﴿فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةُا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (الفتح : ٢٥) التفاتاً إلى أنهم لا يقصدون ضرر مؤمن إلا أن المثنى على جند سليمان هو النملة بإذن الله والمثنى على جند محمد هو الله بنفسه لما لجند محمد من الفضل على جند غيره من الأنبياء كما كان لمحمد الفضل على جميع النبيين عليهم السلام (آورده اندكه باد اين سخن را ازسه ميل راه بسمع سليمان رسانيد).