قال أبو الليث : يعني تقبله مني ﴿وَأَدْخِلْنِى﴾ الجنة ﴿بِرَحْمَتِكَ﴾ فإنه لا يدخل الجنة أحد إلا بالرحمة والفضل لا بالعمل ﴿فِى عِبَادِكَ الصَّـالِحِينَ﴾ في جملتهم وهم الأنبياء ومن تبعهم في الصلاح مطلقاً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٣
قال ابن الشيخ : الصلاح الكامل هو أن لا يعصي الله تعالى ولا يهم بمعصية وهو درجة عالية يطلبها كل نبي وولي وإصلاح الله تعالى الإنسان يكون تارة بخلقه إياه صالحاً وتارة بإزالة ما فيه من الفساد والأول أعز وأندر ولذلك جاءت أوائل الأحوال لأكثر الرجال متكدرة مشوبة وبالحجب الكثيرة مصحوبة.
(دربحر الحقائق آورده كه تشبيه كند وادي نمل را بهواي نفس حريص بردنيا ونمله منذره رابنفس لوامه وسليمان را بقلب ومساكن را بحواس خمسه) فعلى العاقل أن يكون عالي الهمة على مشرب سليمان كما يدل عليه سيره في جو الهواء فإنه بعد عن الأرض وما تحويه قرب من السماء ومعاليه وإنما التفت إلى النملة تواضعاً كما قال الحافظ :
نظر كردن بدرويشان منافىء بزركى نيست
سليمان بانين حشمت نظرها بودبامورش
ومن يكن من أطيار هواء العشق فإنه يفهم ألسنة الطير ومن لم ير سليمان الوقت كيف أدرك معنى الصوت :
ون نديدي دمي سليمانرا
توه داني زبان مرغانرا
والمراد بسليمان هو المرشد الكامل الذي بيده خاتم الحقيقة وبه يحفظ أقاليم القلوب ويطلع على أسرار الغيوب فالكل ينقاد له إما طوعاً أو كرهاً والذي ينقاد كرهاً هو كالشياطين فلا بد من معرفة إمام الوقت والانقياد له طوعاً كما قال عليه السلام :"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".
ثم إن سليمان عليه السلام دعا بالثبات على الشكر والصلاح وختمه بسؤال الجنة كما فعل آباؤه الأنبياء الكرام وهو لا ينافي عصمته وكونه مأمون الغائلة بالنسبة إلى الخاتمة.
وفيه إرشاد للأمة أن يكونوا على حالة حسنة من الشريعة ومرتبة مرضية من الطريقة ومنصب شريف من المعرفة ومقام عال من الحقيقة فإن من لم ينضم إلى معرفته الشريعة ومعاملة العبودية فهو مع الهالكين الفاسقين في الدنيا والآخرة لا مع الأحياء الصالحين في الأمور الباطنة والظاهرة نسأل الله سبحانه أن يوفقنا للأعمال المرضية والأحوال الحسنة ويحلينا بخلع الزهد والتقوى وغيرها من الأمور المستحسنة إنه بالإجابة جدير وهو على كل شيء قدير.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٣
﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾.
قال في "القاموس" : تفقده طلبه عن غيبة.
وفي "كشف الأسرار" : التفقد طلب المفقود وإنما قيل له التفقد لأن طالب الشيء يدرك بعضه ويفقد بعضه.
وفي "المفردات" : التفقد التعهد لكن حقيقة التفقد تعرف فقدان الشيء والتعهد تعرف العهد المقدم.
والطير اسم جامع للجنس كما في "الوسيط" والمعنى وتعرف سليمان أحوال الطير ولم ير الهدهد فيما بينها وكان رئيس الهداهد واسمه يعفور ﴿فَقَالَ مَالِيَ﴾ أي أي شيء حصل لي حال كوني ﴿لا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ لساتر ستره أو لشيء آخر ثم بدا له أن كان غائباً فأضرب عنه فأخذ يقول :﴿أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآاـاِبِينَ﴾ بل أهو غائب فأم منقطعة مقدرة ببل والهمزة.
وبالفارسية (يست مراكه درخيل طير نمى بينم هدهد را يا شم من يروي نمى افتد ياهست ازغائب شد كان زين جمع).
وفي "الوسيط" ما لي لا أرى الهدهد أي ما للهدهد لا أراه تقول العرب : ما لي أراك كئيباً معناه مالك ولكنه من القلب الذي يوضحه المعنى.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الواجب على الملوك التيقظ في مملكتهم وحسن قيامهم وتكفلهم بأمور رعاياهم وتفقد أصغر رعيتهم كما يتفقدون أكبرها بحيث لم يخف عليهم غيبة الأصاغر والأكابر منهم كما أن سليمان عليه السلام تفقد حال أصغر
٣٣٦
طير من الطيور ولم يخف عليه غيبته ساعة ثم غاية شفقته على الرعية أحال النقص والتقصير إلى نفسه فقال :﴿مَالِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ وما قال : ما للهدهد لم أره لرعاية مصالح الرعية وتأديبهم قال :﴿أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآاـاِبِينَ﴾ يعني من الذين غابوا عني بلا إذني.
وفي "حياة الحيوان" : الهدهد منتن الريح طبعاً لأنه يبني أفحوصه في الزبل وهذا عام في جنسه وإن بخر المجنون بعرف الهدهد أبرأه ولحمه إذا بخر به معقود عن المرأة أو مسحور أبرأه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٦
وفي "الفتاوى الزينية" : سئل عن أكل الهدهد أيجوز أم لا أجاب نعم يجوز انتهى.
ثم هدده إن لم يكن عذر لغيبته فقال :
﴿لاعَذِّبَنَّه عَذَابًا شَدِيدًا﴾ العذاب الإيجاع الشديد وعذبه تعذيباً أكثر حبسه في العذاب أي لأعذبنه تعذيباً شديداً كنتف ريشه وإلقائه في الشمس أو حيث النمل تأكله أو جعله مع ضده في قفص وقد قيل : أضيق الشجون معاشرة الأضداد أو بالتفريق بينه وبين إلفه بالفارسية (جفت).


الصفحة التالية
Icon