وقيل : لأزوجنه بعجوز كما في "إنسان العيون" أو لألزمنه خدمة أقران (يا ازخدمت خودش برآنم) كما قال في "التأويلات" : لأعذبنه بالطرد عن الحضرة والإسقاط عن عيني الرضى والقبول.
وفي "الأسئلة المقحمة" : ما معنى هذا الوعيد لمن لم يكن مكلفاً بشيء؟ والجواب هذا الوعيد بعذاب تأديب وغير المكلف يؤدب كالدابة والصبي وكان يلزمه طاعته فاستحق التأديب على تركها.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الطير في زمانه كانت في جملة التكليف ولها وللمسخرين لسليمان من الحيوان والجن والشياطين تكاليف تناسب أحوالهم ولهم فهم وإدراك وأحوال كأحوال الإنسان في قبول الأوامر والنواهي معجزة لسليمان عليه السلام.
﴿أَوْ لا اذْبَحَنَّهُ﴾ لتعتبر به أبناء جنسه أو حتى لا يكون له نسل.
وفي "التأويلات" : أو لأذبحنه في شدة العذاب وأصل الذبح شق حلق الإنسان.
﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّى﴾ أصله ليأتينني بثلاث نونان حذفت النون التي قبل ياء المتكلم ﴿بِسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ﴾ بحجة تبين عذره : وبالفارسية.
(يايايد بمن بحجتي روشن كه سبب غيبت أو كردد) يشير إلى أن حفظ المملكة يكون بمال السياسة وكمال العدل فلا يتجاوز عن جرم المجرمين ويقبل منهم العذر الواضح بعد البحث عنه والحلف في الحقيقة على أحد الأولين على عدم الثالث فكلمة أو بين الأولين للتخيير وفي الثالث للترديد بينه وبينهما.
حكي : أنه لما أتم بناء بيت المقدس خرج للحج وأقام بالحرم ما شاء وكان يتقرب كل يوم طول مقامه بخمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة ثم عزم على المسير إلى اليمن فخرج من مكة صباحاً يؤم سهيلاً فوافى صنعاء اليمن وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضاً حسناء أعجبته خضرتها فنزل يصل فلم يجد الماء وكان الهدهد دليل الماء حيث يراه تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة ويعرف قربه وبعده فيدل على موضعه بأن ينقره بمنقاره فيجيء الشياطين فيسلخون الأرض كما يسلخ الإهاب عن المذبوح ويستخرجون الماء فتفقده لذلك وأما أنه يوضع الفخ ويغطى بالتراب فلا يراه حتى يقع فيه فلأن القدر إذا جاء يحول دون البصر وقد كان حين نزل سليمان ارتفع الهدهد إلى الهواء لينظر إلى عرصة الدنيا فرأى هدهداً آخر اسمه عنفير واقفاً فانحط إليه أي في الهواء فوصف له ملك سليمان وما سخر له من كل شيء ووصف له صاحبه ملك بلقيس وأن تحت يدها اثني عشر
٣٣٧
ألف قائد تحت يد كل قائد مائة ألف فذهب معه لينظر فما رجع إلا بعد العصر وذلك قوله تعالى :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٦
﴿فَمَكَثَ﴾ المكث ثبات مع انتظار.
﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ أي : زماناً غير مديد يشير إلى أن الغيبة وإن كانت موجبة للعذاب الشديد وهو الحرمان من سعادة الحضور ومنافعه ولكنه من أمارات السعادة سرعة الرجوع وتدارك الفائت وذكر أنه أصابه من موضع الهدهد شمس فنظر فإذا موضعه خال فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد علمه عنده ثم قال لسيد الطير وهو العقاب عليّ به فارتفعت فنظرت فإذا هو مقبل فقصدته فناشدها الله تعالى وقال : بحق الذي قواك وأقدرك إلا رحمتني فتركته وقالت : ثكلتك أمك إن نبي الله حلف ليعذبنك قال : أو ما استثنى قالت : بلى قال : أو ليأتيني بعذر مبين فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعاً له فلما دنا منه أخذ عليه السلام برأسه فمده إليه فقال : يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله فارتعد سلميان (وكفته اندكه باهدهد كفت ه كويي كه روبالت بكنم وترابآ فتاب كرم افكنم هدهد كفت دانم كه نكنى كه اين كار صياد انست نه كار يغمبر آن سلميان كفت كلوت ببرم كفت دانم كه نكنى كه اين كار قصا بانست نه كار يغمبران كفت ترا باناجنس در قفص كنم كفت اين هم نكنى كه اين كار ناج جوانمردانست ويغمبران ناجوا نمرد نباشند سليمان كفت أكنون توبكوي كه باتوه كنم كفت عفو كنى ودر كذاركه عفو كار يغمبران وكريما نست) فعفا عنه ثم سأله ﴿فَقَالَ أَحَطتُ﴾ الإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته ﴿بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ أي علماً ومعرفة وحفظته من جميع جهاته وذلك لأنه كان مما لم يشاهده سليمان ولم يسمع خبره من الجن والإنس يشير إلى سعة كرم الله ورحمته بأن يختص طائراً بعلم لم يعلمه نبي مرسل وهذا لا يقدح في حال النبي والرسول بأن لا يعلم علماً غير نافع في النبوة فإن النبي عليه السلام كان يستعيذ بالله منه فيقول :"أعوذ بك من علم لا ينفع" والحاصل أن الذي أحاط به الهدهد كان من الأمور المحسوسة التي لا تعد الإحاطة بها فضيلة ولا الغفلة عنها نقيصة لعدم توقف إدراكها إلا على مجرد إحساس يستوي فيه العقلاء وغيرهم.